تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٥١
ما بالهم اشبهت حالهم حال مستوقد انطفأت ناره أو بدله من جملة التمثيل على وجه البيان والضمير على الوجهين للمنافقين والجواب محذوف كما في قوله تعالى «فلما ذهبوا به» للإيجاز والأمن من الإلباس كأنه قيل فلما أضاءت ما حوله خمدت فبقوا في الظلمات خابطين متحيرين خائبين بعد الكدح في إحيائها واسناد الإذهاب إلى الله تعالى إما لأن الكل بخلقه تعالى وإما لأن الانطفاء حصل بسبب خفى أو امر سماوي كريح أو مطر واما للمبالغة كما يؤذن به تعدية الفعل بالباء دون الهمزة لما فيه من معنى الاستصحاب والامساك يقال ذهب السلطان بما له إذا اخذه وما اخذه الله عز وجل فأمسكه فلا مرسل له من بعده ولذلك عدل عن الضوء الذي هو مقتضى الظاهر إلى النور لأن ذهاب الضوء قد يجامع بقاء النور في الجملة لعدم استلزام عدم القوى لعدم الضعيف والمراد إزالته بالكلية كما يفصح عنه قوله تعالى «وتركهم في ظلمات لا يبصرون» فإن الظلمة التي هي عدم النور وانطماسه بالمرة لا سيما إذا كانت متضاعفة متراكمة متراكبا بعضها على بعض كما يفيده الجمع والتنكير التفخيمي وما بعدها من قوله تعالى «لا يبصرون» لا يتحقق الا بعد ان لا يبقى من النور عين ولا اثر واما لان المراد بالنور مالا يرضى به الله تعالى من النار المجازية التي هي نار الفتنة والفساد كما في قوله تعالى كلما أوقدوا نارا للحرب اطفأها الله ووصفها بإضاءة ما حول المستوقد من باب الترشيح أو النار الحقيقة التي يوقدها الغواة ليتوصلوا بها إلى بعض المعاصي ويهتدوا بها في طرق العيث والفساد فأطفأها الله تعالى وخيب آمالهم وترك في الأصل بمعنى طرح وخلى وله مفعول واحد فضمن معنى التصيير فجرى مجرى افعال القلوب قال * فتركته جزر السباع ينشنه * يقضمن حسن بنانه والمعصم * والظلمة مأخوذة من قولهم ما ظلمك ان تفعل كذا أي ما منعك لأنها تسد البصر وتمنعه من الرؤية وقرئ في ظلمات بسكون اللام وفي ظلمة بالتوحيد ومفعول لا يبصرون من قبيل المطروح كأن الفعل غير متعد والمعنى ان حالهم العجيبة التي هي اشتراؤهم الضلالة التي هي عبارة عن ظلمتي الكفر والنفاق المستتبعين لظلمة سخط الله تعالى وظلمة يوم القيامة يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم وظلمة العقاب السرمدي بالهدى الذي هو النور الفطري المؤيد بما شاهدوه من دلائل الحق أو بالهدى الذي كانوا حصلوه من التوراة حسبما ذكر كحال من استوقد نارا عظيمة حتى يكاد ينتفع بها فأطفأها الله تعالى وتركه في ظلمات هائلة لا يتسنى فيها الإبصار «صم بكم عمي» اخبار لمبتدأ محذوف هو ضمير المنافقين أو خبر واحد بالتأويل المشهور كما في قولهم هذا حلو حامض والصمم آفة مانعة من السماع واصله الصلابة واكتناز الاجزاء ومنه الحجر الأصم والقناة الصماء وصمام القارورة سدادها سمى به فقدان حاسة السمع لما ان سببه اكتناز باطن الصماخ وانسداد منافذه بحيث لا يكاد يدخله هواء يحصل الصوت بتموجه والبكم الخرس والعمي عدم البصر عما من شأنه ان يبصر وصفوا بذلك مع سلامة مشاعرهم المعدودة لما انهم حيث سدوا مسامعهم عن الإصاخة لما يتلى عليهم من الآيات والذكر الحكيم وأبوا ان يتلقوها بالقبول وينطقوا بها ألسنتهم ولم يجتلوا ما شاهدوا من المعجزات الظاهرة على يدي رسول
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271