تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٥٧
عز وجل «إن الله على كل شيء قدير» تعليل للشرطية وتقرير لمضمونها الناطق بقدرته تعالى على إزالة مشاعرهم بالطريق البرهاني والشيء بحسب مفهومه اللغوي يقع على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه كائنا ما كان على أنه في الأصل مصدر شاء اطلق على المفعول واكتفى في ذلك باعتبار تعلق المشيئة به من حيث العلم والإخبار عنه فقط وقد خص ههنا بالممكن موجودا كان أو معدوما بقضية اختصاص تعلق القدرة به لما انها عبارة عن التمكن من الإيجاد والإعدام الخاصين به وقيل هي صفة تقتضي ذلك التمكن والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل والقدير هو الفعال لكل ما يشاء كما يشاء ولذلك لم يوصف به غير الباري جل جلاله ومعنى قدرته تعالى على الممكن الموجود حال وجوده إنه إن شاء إبقاءه على الوجود أبقاه عليه فإن علة الوجود هي علة البقاء وقد مر تحقيقه في تفسير قوله تعالى «رب العالمين» وإن شاء إعدامه أعدمه ومعنى قدرته على المعدوم حال عدمه أنه أن شاء إيجاده أوجده وإن لم يشأ لم يوجده وقيل قدرة الإنسان هيئة بها يتمكن من الفعل والترك وقدرة الله تعالى عبارة عن نفي العجز واشتقاق القدرة من القدر لأن القادر يوقع الفعل بقدر ما تقتضيه إرادته أو بقدر قوته وفيه دليل على أن مقدور العبد مقدور لله تعالى حقيقة لأنه شئ وكل شئ مقدور له تعالى واعلم أن كل واحد من التمثيلين وإن احتمل أن يكون من قبيل التمثيل المفرق كما في قوله * كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العناب والحشف البالي * بأن يشبه المنافقون في التمثيل الأول بالمستوقدين وهداهم الفطري بالنار وتأييدهم إياه بما شاهدوه من الدلائل باستيقادها وتمكنهم التام من الانتفاع به بإضاءتها ما حولهم وإزالته بإذهاب النور الناري واخذ الضلالة بمقابلته بملابستهم الظلمات الكثيفة وبقائهم فيها ويشبهوا في التمثيل الثاني بالسابلة والقرآن وما فيه من العلوم والمعارف التي هي مدار الحياة الأبدية بالصيب الذي هو سبب الحياة الأرضية وما عرض لهم بنزوله من الغموم والأحزان وانكساف البال بالظلمات وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق وتصامهم عما يقرع أسماعهم من الوعيد بحال من يهوله الرعد والبرق فيخاف صواعقه فيسد أذنه عنها ولا خلاص له منها واهتزازهم لما يلمع لهم من رشد يدركونه أو رفد يحرزونه بمشيهم في مطرح ضوء البرق كلما أضاء لهم وتحيرهم في أمرهم حين عن لهم مصيبة بوقوفهم إذا أظلم عليهم لكن الحمل على التمثيل المركب الذي لا يعتبر فيه تشبيه كل واحد من المفردات الواقعة في أحد الجانبين بواحد من المفردات الواقعة في الجانب الآخر على وجه التفصيل بل ينتزع فيه من المفردات الواقعة في جانب المشبه هيئة فتشبه بهيئة أخرى منتزعة من المفردات الواقعة في جانب المشبه به بأن ينتزع من المنافقين وأحوالهم المفصلة في كل واحد من التمثيلين هيئة على حدة وينتزع من كل واحد من المستوقدين وأصحاب الصيب وأحوالهم المحكية هيئة بحيالها فتشبيه كل واحده من الأوليين بما يضاهيها من الأخريين هو الذي يقتضيه جزالة التنزيل ويستدعيه فخامة شأنه الجليل لاشتماله على التشبيه الأول إجمالا مع أمر زائد هو تشبيه الهيئة وإيذانه بأن اجتماع تلك المفردات مستتبع لهيئة عجيبة حقيقة بأن تكون مثلا في الغرابة
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271