الرضى بما فعل الله تعالى والاستعانة طلب المعونة على الوجه الذي مر بيانه وتقديم المفعول فيهما لما ذكر من القصر والتخصيص كما في قوله تعالى «وإياي فارهبون» مع ما فيه من التعظيم والاهتمام به قال ابن عباس رضي الله عنهما معناه نعبدك ولا نعبد غيرك وتكرير الضمير المنصوب للتنصيص على تخصيصه تعالى بكل واحدة من العبادة والاستعانة ولإبراز الاستلذاذ بالمناجاة والخطاب وتقديم العبادة لما أنها من مقتضيات مدلول الاسم الجليل وان ساعده الصفات المجراة عليه أيضا وأما الاستعانة فمن الأحكام المبنية على الصفات المذكورة ولأن العبادة من حقوق الله تعالى والاستعانة من حقوق المستعين ولأن العبادة واجبه حتما والاستعانة تابعة للمستعان فيه في الوجوب وعدمه وقيل لأن تقديم الوسيلة على المسؤول أدعى إلى الإجابة والقبول هذا على تقدير كون اطلاق الاستعانة على المفعول فيه ليتناول كل مستعان فيه كما قالوا وقد قيل انه لما ان المسؤول هو المعونة في العبادة والتوفيق لإقامة مراسمها على ما ينبغي وهو اللائق بشأن التنزيل والمناسب لحال الحامد فإن استعانته مسبوقة بملاحظة فعل من أفعاله ليستعينه تعالى في إيقاعه ومن البين أنه عند استغراقه في ملاحظة شؤونه تعالى واشتغاله بأداء ما يوجبه تلك الملاحظة من الحمد والثناء لا يكاد يخطر بباله من افعاله وأحواله الا الأقبال الكلي عليه والتوجه التام إليه ولقد فعل ذلك بتخصيص العبادة به تعالى أولا وباستدعاء الهداية إلى ما يوصل إليه آخرا فكيف يتصور أن يشتغل فيما بينهما بما لا يعنيه من أمور دنياه أو بما يعمها وغيرها كأنه قيل وإياك نستعين في ذلك فإنا غير قادرين على أداء حقوقه من غير إعانة منك فوجه الترتيب حينئذ واضح وفيه من الإشعار بعلو رتبه عبادته تعالى وعزة منالها وبكونها عند العابد أشرف المباغي والمقاصد وبكونها من مواهبه تعالى لا من اعمال نفسه ومن الملائمة لما يعقبه من الدعاء ما لا يخفى وقيل الواو للحال أي أياك نعبد مستعينين بك وإيثار صيغة المتكلم مع الغير في الفعلين للإيذان بقصور نفسه وعدم لياقته بالوقوف في مواقف الكبرياء منفردا وعرض العبادة واستدعاء المعونة والهداية مستقلا وأن ذلك أنما يتصور من عصابة هو من جملتهم وجماعة هو من زمرتهم كما هو ديدن الملوك أو للإشعار باشتراك سائر الموحدين له في الحال العارضة له بناء على تعاضد الأدلة الملجئة إلى ذلك وقرئ نستعين بكسر النون على لغة بني تميم «اهدنا الصراط المستقيم» إفراد لمعظم أفراد المعونة المسئولة بالذكر وتعيين لما هو الأهم أو بيان لها كأنه قيل كيف أعينكم فقيل أهدينا والهداية دلالة بلطف على ما يوصل إلى البغية ولذلك اختصت بالخير وقوله تعالى «فاهدوهم إلى صراط الجحيم» وارد على نهج التهكم والأصل تعديته بإلى واللام كما في قوله تعالى «قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق» فعومل معاملة اختار في قوله تعالى «واختار موسى قومه» وعليه قوله تعالى «لنهدينهم سبلنا» وهداية الله تعالى مع تنوعها إلى أنواع لا تكاد تحصر منحصرة في أجناس مترتبة منها أنفسية كإفاضة القوى الطبيعية والحيوانية التي بها يصدر عن المرء أفاعيله الطبيعية والحيوانية والقوى المدركة والمشاعر الظاهرة والباطنة التي بها يتمكن من إقامة مصالحة المعاشية والمعادية ومنها آفاقية فإما تكوينية معربة عن الحق بلسان الحال وهي نصب الأدلة المودعة في كل فرد من افراد العالم حسبما لوح به فيما سلف وإما تنزيلية مفصحة عن تفاصيل الأحكام النظرية والعملية بلسان المقال بإرسال الرسل
(١٧)