تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٧٩
هي عبارة عن تكميل النفس بحسب القوة العملية وتهذيبها المتفرع على تكميلها بحسب القوة النظرية الحاصل بالتعليم المترتب على التلاوة للإيذان بأن كلا من الأمور المترتبة نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر فلو روعى ترتيب الوجود كما في قوله تعالى وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك أنت العزيز الحكيم لتبادر إلى الفهم كون الكل نعمة واحدة كما مر نظيره في قصة البقرة وهو السر في التعبير عن القرآن تارة بالآيات وأخرى بالكتاب والحكمة رمزا إلى انه باعتبار كل عنوان نعمة على حدة ولا يقدح فيه شمول الحكمة لما في تضاعيف الأحاديث الشريفة من الشرائع وقوله عز وجل «ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون» صريح في ذلك فإن الموصول مع كونه عبارة عن الكتاب والحكمة قطعا قد عطف تعليمه على تعليمهما وما ذلك الا لتفصيل فنون النعم في مقام يقتضيه كما في قوله تعالى ونجيناهم من عذاب غليظ عقيب قوله تعالى نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا والمراد بعدم علمهم أنه ليس من شأنهم أن يعلموه بالفكر والنظر وغير ذلك من طرق العلم لانحصار الطريق في الوحي «فاذكروني» الفاء للدلالة على ترتب الأمر على ما قبله من موجباته أي فاذكروني بالطاعة «أذكركم» بالثواب وهو تحريض على الذكر مع الاشعار بما يوجبه «واشكروا لي» ما أنعمت به عليكم من النعم «ولا تكفرون» بجحدها وعصيان ما أمرتكم به «يا أيها الذين آمنوا» وصفهم بالإيمان اثر تعداد ما يوجبه ويقتضيه تنشيطا لهم وحثا على مراعاة ما يعقبه من الأمر «استعينوا» في كل ما تأتون وما تذرون «بالصبر» على الأمور الشاقة على النفس التي من جملتها معاداة الكفرة ومقابلتهم المؤدية إلى مقاتلتهم «والصلاة» التي هي أم العبادات ومعراج المؤمنين ومناجاة رب العالمين «إن الله مع الصابرين» تعليل للأمر بالاستعانة بالصبر خاصة لما أنه المحتاج إلى التعليل واما الصلاة فحيث كانت عند المؤمنين اجل المطالب كما ينبئ عنه قوله عليه السلام وجعلت قرة عيني في الصلاة لم يفتقر الأمر بالاستعانة بها إلى التعليل ومعنى المعية الولاية الدائمة المستتبعة للنصرة وإجابة الدعوة ودخول مع على الصابرين لما أنهم المباشرون للصبر حقيقة فهم متبوعون من تلك الحيثية «ولا تقولوا» عطف على استعينوا الخ مسوق لبيان ان لا غائلة للمأمور به وأن الشهادة التي ربما يؤدي إليها الصبر حياة أبدية «لمن يقتل في سبيل الله أموات» أي هم أموات «بل أحياء» أي بل هم احياء «ولكن لا تشعرون» بحياتهم وفيه رمز إلى انها ليست مما يشعر به بالمشاعر الظاهرة من الحياة الجسمانية وانما هي امر روحاني لا يدرك بالعقل بل بالوحي وعن الحسن رحمه الله أن الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الألم والوجع قلت رأيت في المنام سنة
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271