تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٩٠
في مثال النفي عدم الإعطاء المستفاد من الفعل المنفى المذكور وأما فيما نحن فيه فهو نفس الاتباع المستفاد من الفعل المقدر إذ هو الذي يقتضيه الكلام السابق أعنى قولهم بل نتبع الخ وأما الاستفهام فخارج عنه وارد عليه الإنكار ما يفيده واستقباح ما يقتضيه لا أنه تمامه كما في الصورة النفي وكذا الحال فيما إذا كانت الهمزة لإنكار الوقوع ونفيه مع كونه بمنزلة صريح النفي كما سيأتي تحقيقه في قوله تعالى أولو كنا كارهين وقيل الواو حالية ولكن التحقيق أن المعنى يدور على معنى العطف في سائر اللغات أيضا «ومثل الذين كفروا» جملة ابتدائية واردة لتقرير ما قبلها بطريق التصوير وفيها مضاف قد حذف لدلالة مثل عليه ووضع الموصول موضع الضمير الراجع إلى ما يرجع إليه الضمائر السابقة لذمهم بما في حيز الصلة وللإشعار بعلة ما أثبت لهم من الحكم والتقدير مثل ذلك القائل وحاله الحقيقة لغرابتها بأن تسمى مثلا وتسير في الآفاق فيما ذكر من دعوته إياهم إلى اتباع الحق وعدم رفعهم إليه رأسا لانهماكهم في التقليد وإخلادهم إلى ما هم عليه من الضلالة وعدم فهمهم من جهة الداعي إلى الدعاء من غير أن يلقوا أذهانهم إلى ما يلقى عليهم «كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء» من البهائم فإنها لا تسمع إلا صوت الراعي وهتفه بها من غير فهم لكلامه أصلا وقيل إنما حذف المضاف من الموصول الثاني لدلالة كلمة ما عليه فإنها عبارة عنه مشعرة مع ما في حيز الصلة بما هو مدار التمثيل أي مثل الذين كفروا فيما ذكر من انهماكهم فيما هم فيه وعدم التدبر فيما ألقى إليهم من الآيات كمثل بهائم الذي ينعق بها وهي لا تسمع منه إلا جرس النغمة ودوى الصوت وقيل المراد تمثيلهم في اتباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفهم ما تحته وقيل تمثيلهم في دعائهم الأصنام بالناعق في نعقه وهو تصويته على البهائم وهذا غنى عن الإضمار لكن لا يساعده قوله إلا دعاء ونداء فإن الأصنام بمعزل من ذلك وقد عرفت أن حسن التمثيل فيما إذا تشابه أفراد الطرفين «صم بكم عمي» بالرفع على الذم أي هم صم الخ «فهم لا يعقلون» شيئا لأن طريق التعقل هو التدبر في مبادى الأمور المعقولة والتأمل في ترتيبها وذلك أنما يحصل باستماع آيات الله ومشاهدة حججه الواضحة والمفاوضة مع من يؤخذ منه العلوم فإذا كانوا صما بكما عميا فقد انسد عليهم أبواب التعقل وطرق الفهم بالكلية «يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم» أي مستلذاته «واشكروا لله» الذي رزقكموها والالتفات لتربية المهابة «إن كنتم إياه تعبدون» فإن عبادته تعالى لا تتم الا بالشكر له وعن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل اني والانس والجن في نبأ عظيم اخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271