في مثال النفي عدم الإعطاء المستفاد من الفعل المنفى المذكور وأما فيما نحن فيه فهو نفس الاتباع المستفاد من الفعل المقدر إذ هو الذي يقتضيه الكلام السابق أعنى قولهم بل نتبع الخ وأما الاستفهام فخارج عنه وارد عليه الإنكار ما يفيده واستقباح ما يقتضيه لا أنه تمامه كما في الصورة النفي وكذا الحال فيما إذا كانت الهمزة لإنكار الوقوع ونفيه مع كونه بمنزلة صريح النفي كما سيأتي تحقيقه في قوله تعالى أولو كنا كارهين وقيل الواو حالية ولكن التحقيق أن المعنى يدور على معنى العطف في سائر اللغات أيضا «ومثل الذين كفروا» جملة ابتدائية واردة لتقرير ما قبلها بطريق التصوير وفيها مضاف قد حذف لدلالة مثل عليه ووضع الموصول موضع الضمير الراجع إلى ما يرجع إليه الضمائر السابقة لذمهم بما في حيز الصلة وللإشعار بعلة ما أثبت لهم من الحكم والتقدير مثل ذلك القائل وحاله الحقيقة لغرابتها بأن تسمى مثلا وتسير في الآفاق فيما ذكر من دعوته إياهم إلى اتباع الحق وعدم رفعهم إليه رأسا لانهماكهم في التقليد وإخلادهم إلى ما هم عليه من الضلالة وعدم فهمهم من جهة الداعي إلى الدعاء من غير أن يلقوا أذهانهم إلى ما يلقى عليهم «كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء» من البهائم فإنها لا تسمع إلا صوت الراعي وهتفه بها من غير فهم لكلامه أصلا وقيل إنما حذف المضاف من الموصول الثاني لدلالة كلمة ما عليه فإنها عبارة عنه مشعرة مع ما في حيز الصلة بما هو مدار التمثيل أي مثل الذين كفروا فيما ذكر من انهماكهم فيما هم فيه وعدم التدبر فيما ألقى إليهم من الآيات كمثل بهائم الذي ينعق بها وهي لا تسمع منه إلا جرس النغمة ودوى الصوت وقيل المراد تمثيلهم في اتباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفهم ما تحته وقيل تمثيلهم في دعائهم الأصنام بالناعق في نعقه وهو تصويته على البهائم وهذا غنى عن الإضمار لكن لا يساعده قوله إلا دعاء ونداء فإن الأصنام بمعزل من ذلك وقد عرفت أن حسن التمثيل فيما إذا تشابه أفراد الطرفين «صم بكم عمي» بالرفع على الذم أي هم صم الخ «فهم لا يعقلون» شيئا لأن طريق التعقل هو التدبر في مبادى الأمور المعقولة والتأمل في ترتيبها وذلك أنما يحصل باستماع آيات الله ومشاهدة حججه الواضحة والمفاوضة مع من يؤخذ منه العلوم فإذا كانوا صما بكما عميا فقد انسد عليهم أبواب التعقل وطرق الفهم بالكلية «يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم» أي مستلذاته «واشكروا لله» الذي رزقكموها والالتفات لتربية المهابة «إن كنتم إياه تعبدون» فإن عبادته تعالى لا تتم الا بالشكر له وعن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل اني والانس والجن في نبأ عظيم اخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري
(١٩٠)