مسجد بنى سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فسمى المسجد مسجد القبلتين «وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره» خص الرسول صلى الله عليه وسلم بالخطاب تعظيما لجنابه وإيذان بإسعاف مرامه ثم عمم الخطاب للمؤمنين مع التعرض لاختلاف أماكنهم تأكيدا للحكم وتصريحا بعمومه لكافة العباد من كل حاضر باد وحثا للأمة على المتابعة وحيثما شرطية وكنتم في محل الجزم بها وقوله تعالى فولوا جوابها وتكون هي منصوبة على الظرفية بكنتم نحو قوله تعالى أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى «وإن الذين أوتوا الكتاب» من فريقي اليهود والنصارى «ليعلمون أنه» أي التحويل أو التوجه المفهوم من التولية «الحق» لاغير لعلمهم بان عادته سبحانه وتعالى جارية على تخصيص كل شريعة بقبلة ومعاينتهم لما هو مسطور في كتبهم من أنه عليه الصلاة والسلام يصلى إلى القبلتين كما يشعر بذلك التعبير عنهم بالاسم الموصول بإيتاء الكتاب وإن مع اسمها وخبرها ساد مسد مفعولى يعلمون أو مسد مفعوله الواحد على أن العلم بمعنى المعرفة وقوله تعالى «من ربهم» متعلق بمحذوف وقع حالا من الحق أي كائنا من ربهم أو صفة له على رأى من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته أي الكائن من ربهم «وما الله بغافل عما تعملون» وعد ووعيد للفريقين والخطاب للكل تغليبا وقرئ على صيغة الغيبة فهو وعيد لأهل الكتاب «ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب» وضع الموصول موضع المضمر للإيذان بكمال سوء حالهم من العناد مع تحقق ما يرغمهم منه من الكتاب الناطق بحقية ما كابروا في قبوله «بكل آية» أي حجة قطعية دالة على حقيقة التحويل واللام موطئة للقسم وقوله تعالى «ما تبعوا قبلتك» جواب للقسم المضمر ساد مسد جواب الشرط والمعنى أنهم ما تركوا قبلتك لشبهة تزيلها الحجة وإنما خالفوك مكابرة وعنادا وتجريد الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بعد تعميمه للأمة لما أن المحاجة والإتيان بالآية من الوظائف الخاصة به عليه السلام وقوله تعالى «وما أنت بتابع قبلتهم» جملة معطوفة على الجملة الشرطية لا على جوابها مسوقة لقطع أطماعهم الفارغة حيث قالت اليهود لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره تغريرا له عليه الصلاة والسلام وطمعا في رجوعه وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على دوام مضمونها واستمراره وإفراد قبلتهم مع تعددها باعتبار اتحادها في البطلان ومخالفة الحق ولئلا يتوهم أن مدار النفي هو التعدد وقرئ يتابع قبلتهم على الإضافة «وما بعضهم بتابع قبلة بعض» فإن اليهود تستقبل الصخرة والنصارى مطلع الشمس لا يرجى توافقهم كما لا يرجى موافقتهم لك لتصلب كل فريق فيما هو فيه «ولئن اتبعت أهواءهم» الزائغة المتخالفة «من بعد ما جاءك من العلم» ببطلانها وحقية ما أنت عليه وهذه الشرطية الفرضية وارده على منهاج التهييج والإلهاب للثبات على الحق أي ولئن اتبعت أهواءهم فرضا «إنك إذا لمن الظالمين» وفيه لطف للسامعين وتحذير لهم عن
(١٧٥)