تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٧٥
مسجد بنى سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فسمى المسجد مسجد القبلتين «وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره» خص الرسول صلى الله عليه وسلم بالخطاب تعظيما لجنابه وإيذان بإسعاف مرامه ثم عمم الخطاب للمؤمنين مع التعرض لاختلاف أماكنهم تأكيدا للحكم وتصريحا بعمومه لكافة العباد من كل حاضر باد وحثا للأمة على المتابعة وحيثما شرطية وكنتم في محل الجزم بها وقوله تعالى فولوا جوابها وتكون هي منصوبة على الظرفية بكنتم نحو قوله تعالى أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى «وإن الذين أوتوا الكتاب» من فريقي اليهود والنصارى «ليعلمون أنه» أي التحويل أو التوجه المفهوم من التولية «الحق» لاغير لعلمهم بان عادته سبحانه وتعالى جارية على تخصيص كل شريعة بقبلة ومعاينتهم لما هو مسطور في كتبهم من أنه عليه الصلاة والسلام يصلى إلى القبلتين كما يشعر بذلك التعبير عنهم بالاسم الموصول بإيتاء الكتاب وإن مع اسمها وخبرها ساد مسد مفعولى يعلمون أو مسد مفعوله الواحد على أن العلم بمعنى المعرفة وقوله تعالى «من ربهم» متعلق بمحذوف وقع حالا من الحق أي كائنا من ربهم أو صفة له على رأى من يجوز حذف الموصول مع بعض صلته أي الكائن من ربهم «وما الله بغافل عما تعملون» وعد ووعيد للفريقين والخطاب للكل تغليبا وقرئ على صيغة الغيبة فهو وعيد لأهل الكتاب «ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب» وضع الموصول موضع المضمر للإيذان بكمال سوء حالهم من العناد مع تحقق ما يرغمهم منه من الكتاب الناطق بحقية ما كابروا في قبوله «بكل آية» أي حجة قطعية دالة على حقيقة التحويل واللام موطئة للقسم وقوله تعالى «ما تبعوا قبلتك» جواب للقسم المضمر ساد مسد جواب الشرط والمعنى أنهم ما تركوا قبلتك لشبهة تزيلها الحجة وإنما خالفوك مكابرة وعنادا وتجريد الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بعد تعميمه للأمة لما أن المحاجة والإتيان بالآية من الوظائف الخاصة به عليه السلام وقوله تعالى «وما أنت بتابع قبلتهم» جملة معطوفة على الجملة الشرطية لا على جوابها مسوقة لقطع أطماعهم الفارغة حيث قالت اليهود لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي ننتظره تغريرا له عليه الصلاة والسلام وطمعا في رجوعه وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على دوام مضمونها واستمراره وإفراد قبلتهم مع تعددها باعتبار اتحادها في البطلان ومخالفة الحق ولئلا يتوهم أن مدار النفي هو التعدد وقرئ يتابع قبلتهم على الإضافة «وما بعضهم بتابع قبلة بعض» فإن اليهود تستقبل الصخرة والنصارى مطلع الشمس لا يرجى توافقهم كما لا يرجى موافقتهم لك لتصلب كل فريق فيما هو فيه «ولئن اتبعت أهواءهم» الزائغة المتخالفة «من بعد ما جاءك من العلم» ببطلانها وحقية ما أنت عليه وهذه الشرطية الفرضية وارده على منهاج التهييج والإلهاب للثبات على الحق أي ولئن اتبعت أهواءهم فرضا «إنك إذا لمن الظالمين» وفيه لطف للسامعين وتحذير لهم عن
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271