تسع وثلاثين وتسعمائة اني أزور قبور شهداء أحد رضي الله تعالى عنهم أجمعين وانا أتلوا هذه الآية وما في سورة آل عمران وأرددهما متفكرا في امرهم وفي نفسي ان حياتهم روحانية لا جسمانية فبينما أنا على ذلك إذ رأيت شابا منهم قاعدا في قبره تام الجسد كامل الخلقة في أحسن ما يكون من الهيئة والمنظر ليس عليه شيء من اللباس قد بدا منه ما فوق السرة والباقي في القبر خلا اني اعلم يقينا ان ذلك أيضا كما ظهر وانما لا يظهر لكونه عورة فنظرت إلى وجهه فرأيته ينظر إلى مبتسما كأنه ينبهني على ان الأمر بخلاف رأيي فسبحان من علت كلمته وجلت حكمته وقيل الآية نزلت في شهداء بدر وكانوا أربعة عشر وفيها دلالة على ان الأرواح جواهر قائمة بأنفسها مغايرة لما يحس به من البدن تبقي بعد الموت دراكة وعليه جمهور الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وبه نطقت الآيات والسنن وعلى هذا فتخصيص الشهداء بذلك لما يستدعيه مقام التحريض على مباشرة مبادي الشهادة ولاختصاصهم بمزيد القرب من الله عز وعلا «ولنبلونكم» لنصيبنكم إصابة من يختبر أحوالكم أتصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء «بشيء من الخوف والجوع» أي بقليل من ذلك فإن ما وقاهم عنه أكثر بالنسبة إلى ما أصابهم بألف مرة وكذا ما يصيب به معانديهم وانما اخبر به قبل الوقوع ليوطنوا عليه نفوسهم ويزداد يقينهم عند مشاهدتهم له حسبما اخبر به وليعلموا انه شيء يسير له عاقبة حميدة «ونقص من الأموال والأنفس والثمرات» عطف على شيء وقيل على الخوف وعن الشافعي رحمه الله الخوف خوف الله والجوع صوم رمضان ونقص من الأموال الزكاة والصدقات ومن الأنفس الأمراض ومن الثمرات موت الأولاد وعن النبي صلى الله عليه وسلم إذا مات ولد العبد قال الله تعالى للملائكة أقبضتم روح ولد عبدي فيقولون نعم فيقول عز وجل اقبضتم ثمرة قلبه فيقولون نعم فيقول الله تعالى ماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله عز وعلا ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد «وبشر الصابرين» «الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون» الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى منه البشارة والمصيبة ما يصيب الانسان من مكروه لقوله عليه السلام كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة وليس الصبر هو الاسترجاع باللسان بل بالقلب بأن يتصور ما خلق له وأنه راجع إلى ربه ويتذكر نعم الله تعالى عليه ويرى أن ما أبقى عليه اضعاف ما استرده منه فيهون ذلك على نفسه ويستسلم والمبشر به محذوف دل عليه ما بعده «أولئك» إشارة إلى الصابرين باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت ومعنى البعد فيه للإيذان بعلو رتبتهم «عليهم صلوات من ربهم ورحمة»
(١٨٠)