تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٧٦
متابعة الهوى فإن من ليس من شأنه ذلك إذا نهى عنه ورتب على فرض وقوعه ما رتب من الانتظام في سلك الراسخين في الظلم فما ظن من ليس كذلك وإذن حرف جواب وجزاء توسطت بين اسم إن وخبرها لتقرير ما بينهما من النسبة إذ كان حقها أن تتقدم أو تتأخر فلم تتقدم لئلا يتوهم أنها لتقرير النسبة التي بين الشرط وجوابه المحذوف لأن المذكور جواب القسم ولم تتأخر لرعاية الفواصل ولقد بولغ في التأكيد من وجوه تعظيما للحق المعلوم وتحريضا على اقتفائه وتحذيرا عن متابعة الهوى واستعظاما لصدور الذنب من الأنبياء عليهم السلام «الذين آتيناهم الكتاب» أي علماءهم إذ هم العمدة في إيتائه ووضع الموصول موضع المضمر مع قرب العهد للإشعار بعلية ما في حيز الصلة للحكم والضمير المنصوب في قوله تعالى «يعرفونه» للرسول صلى الله عليه وسلم والالتفات إلى الغيبة للإيذان بان المراد ليس معرفتهم له عليه السلام من حيث ذاته ونسبه الزاهر بل من حيث كونه مسطورا في الكتاب منعوتا فيه بالنعوت التي من جملتها أنه عليه السلام يصلى إلى القبلتين كأنه قيل الذين آتيناهم الكتاب يعرفون من وصفناه فيه وبهذا يظهر جزالة النظم الكريم وقيل هو إضمار قبل الذكر للإشعار بفخامة شأنه عليه الصلاة والسلام أنه علم معلوم بغير إعلام فتأمل وقيل الضمير للعلم أو سببه الذي هو الوحي أو القرآن أو التحويل ويؤيد الأول قوله عز وجل «كما يعرفون أبناءهم» أي يعرفونه عليه الصلاة والسلام بأوصافه الشريفة المكتوبة في كتابهم ولا يشتبه عليهم كما لا يشتبه أبناؤهم وتخصيصهم بالذكر دون ما يعم البنات لكونهم أعرف عندهم منهن بسبب كونهم أحب إليهم عن عمر رضي الله عنه أنه سأل عبد الله بن سلام رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنا أعلم به منى بابنى قال ولم قال لأني لست أشك فيه أنه نبي فأما ولدى فلعل والدته خانت فقبل عمر رأسه رضي الله عنهما «وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون» هم الذين كابروا وعاندوا الحق والباقون هم الذين آمنوا منهم فإنهم يظهرون الحق ولا يكتمونه وأما الجهلة منهم فليست لهم معرفة بالكتاب ولا بما في تضاعيفه فما هم بصدد الإظهار ولا بصدد الكتم وإنما كفرهم على وجه التقليد «الحق» بالرفع على أنه مبتدأ وقوله تعالى «من ربك» خبره واللام للعهد والإشارة إلى ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى الحق الذي يكتمونه أو للجنس والمعنى أن الحق ما ثبت أنه من الله تعالى كالذي أنت عليه لا غيره كالذي عليه أهل الكتاب أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق وقوله تعالى من ربك إما حال أو خبر بعد خبر وقرئ بالنصب على أنه بدل من الأول أو مفعول ليعلمون وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام من إظهار اللطف به عليه السلام ما لا يخفى «فلا تكونن من الممترين» أي الشاكين في كتمانهم الحق عالمين به وقيل في أنه من ربك وليس المراد به نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشك فيه لأنه غير متوقع
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271