تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٨٣
وحيث كانت هذه التوبة المقرونة بالإصلاح والتبيين مستلزمة للتوبة عن الكفر مبنية عليها لم يصرح بالإيمان وقوله تعالى «أولئك» إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة للإشعار بعليته للحكم والفاء لتأكيد ذلك «أتوب عليهم» أي بالقبول وإفاضة المغفرة والرحمة وقوله تعالى «وأنا التواب الرحيم» أي المبالغ في قبول التوب ونشر الرحمة اعتراض تذييلي محقق لمضمون ما قبله والالتفات إلى التكلم للافتنان في النظم الكريم مع ما فيه من التلويح والرمز إلى ما مر من اختلاف المبدأ في فعليه تعالى السابق واللاحق «إن الذين كفروا» جملة مستأنفة سيقت لتحقيق بقاء اللعن فيما وراء الاستثناء وتأكيد دوامه واستمراره على غير التائبين حسبما يفيده الكلام والاقتصار على ذكر الكفر في الصلة من غير تعرض لعدم التوبة والإصلاح والتبيين مبني على ما أشير إليه فكما أن وجود تلك الأمور الثلاثة مستلزم للأيمان الموجب لعدم الكفر كذلك وجود الكفر مستلزم لعدمها جميعا أي إن ذلك استمرار على الكفر المستتبع للكتمان وعدم التوبة «وماتوا وهم كفار» لا يرعوون عن حالتهم الأولى «أولئك» الكلام فيه كما فيما قبله «عليهم» أي مستقر عليهم «لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» ممن يعتد بلعنتهم وهذا بيان لدوامها الثبوتي بعد بيان دوامها التجددي وقيل الأول لعنتهم أحياء وهذا لعنتهم أمواتا وقرئ والملائكة والناس أجمعون عطفا على محل اسم الله لأنه فاعل في المعنى كقولك أعجبني ضرب زيد وعمرو تريد من أن ضرب زيد وعمر وكأنه قيل أولئك عليهم أن لعنهم الله والملائكة الخ وقيل هو فاعل لفعل مقدر أي ويلعنهم الملائكة «خالدين فيها» أي في اللعنة أو في النار على انها أضمرت من غير ذكر تفخيما لشأنها وتهويلا لأمرها «لا يخفف عنهم العذاب» إما مستأنف لبيان كثرة عذابهم من حيث الكيف إثر بيان كثرته من حيث الكم أو حال من الضمير في خالدين على وجه التداخل أو من الضمير في عليهم على طريقة الترادف «ولا هم ينظرون» عطف على ما قبله جار فيه ما جرى فيه وإيثار الجملة الاسمية لإفادة دوام النفي واستمراره أي لا يمهلون ولا يؤجلون أو لا ينتظرون ليعتذروا أو لا ينظر إليهم نظر رحمة «وإلهكم» خطاب عام لكافة الناس أي المستحق منكم للعبادة «إله واحد» أي فرد في الإلهية لا صحة لتسمية غيره إلها أصلا «لا إله إلا هو» خبر ثان للمبتدأ أو صفة أخرى للخبر أو اعتراض وأياما كان فهو مقرر للوحدانية ومزيح لما عسى يتوهم أن في الوجود إلها لكن لا يستحق العبادة «الرحمن الرحيم» خبران آخران لمبتدأ محذوف وهو تقرير للتوحيد فإنه تعالى حيث كان موليا لجميع النعم أصولها وفروعها جليلها ودقيقها وكان ما سواه كائنا ما كان مفتقرا إليه في وجوده وما تتفرع عليه من كمالاته تحققت وحدانيته بلا ريب وانحصر استحقاق العبادة فيه تعالى قطعا قيل كان للمشركين
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271