تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٠٧
إنكارا عليهم وهو استئناف وقع جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل فماذا قال لهم فقيل قال «أتستبدلون» أي أتأخذون لأنفسكم وتختارون «الذي هو أدنى» أي أقرب منزلة وأدون قدرا سهل المنال وهين الحصول لعدم كونه مرغوبا فيه وكونه تافها مرذولا قليل القيمة وأصل الدنو القرب في المكان فاستعير للخسة كما استعير البعد للشرف والرفعة فقيل بعيد المحل وبعيد الهمة وقرئ أدنأ من الدناءة وقد حملت المشهورة على أن ألفها مبدلة من الهمزة «بالذي هو خير» أي بمقابلة ما هو خير فإن الباء تصحب الذاهب الزائل دون دون الآتي الحاصل كما في التبديل في مثل قوله عز وجل «ومن يتبدل الكفر بالإيمان» وقوله «وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط» وليس فيه ما يدل قطعا على أنهم أرادوا زوال المن والسلوى بالمرة وحصول ما طلبوا مكانه كتحقيق الاستبدال فيما مر من صورة المناوبة «اهبطوا مصرا» أمروا به بيانا لدناءة مطلبهم أو إسعافا لمرامهم أي انحدروا إليه من التيه يقال هبط الوادي وقرئ بضم الباء والمصر البلد العظيم وأصله الحد بين الشيئين وقيل أريد به العلم وإنما صرف لسكون وسطه أو لتأويله بالبلد دون المدينة ويؤيده أنه في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه غير منون وقيل أصله مصراييم فعرب «فإن لكم ما سألتم» تعليل للأمر بالهبوط أي فإن لكم فيه ما سألتموه ولعل التعبير عن الأشياء المسئولة بما للاستهجان بذكرها كأنه قيل فإنه كثير فيه مبتذل يناله كل أحد بغير مشقة «وضربت عليهم الذلة والمسكنة» أي جعلتا محيطتين بهم إحاطة القبة بمن ضربت عليه أو ألصقتا بهم وجعلتا ضربة لازب لا تنفكان عنهم مجازاة لهم على كفرانهم من ضرب الطين على الحائط بطريق الاستعارة بالكناية واليهود في غالب الامر أذلاء مساكين إما على الحقيقة وأما لخوف أن تضاعف جزيتهم «وباؤوا» أي رجعوا «بغضب» عظيم وقوله تعالى «من الله» متعلق بمحذوف هو صفة لغضب مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية أي بغضب كائن من الله تعالى أو صاروا أحقاء به من قولهم باء فلان بفلان أي صار حقيقا بأن يقتل بمقابلته ومنه قول من قال بؤ بشسع نعل كليب وأصل البوء المساواة «ذلك» إشارة إلى ما سلف من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب العظيم «بأنهم» بسبب إنهم «كانوا يكفرون» على الاستمرار «بآيات الله» الباهرة التي هي المعجزات الساطعة الظاهرة على يد موسى عليه السلام مما عدو ما لا يعد «ويقتلون النبيين بغير حق» كشعيا وزكريا ويحيى عليهم السلام وفائدة التقييد مع أن قتل الأنبياء يستحيل أن يكون بحق الإيذان بأن ذلك عندهم أيضا بغير الحق إذ لم يكن أحد معتقدا بحقية قتل أحد منهم عليهم السلام وانما حملهم على ذلك حب الدنيا واتباع الهوى والغلو في العصيان والاعتداء كما يفصح عنه قوله تعالى «ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» أي جرهم العصيان والتمادي في العدوان إلى ما ذكر من الكفر وقتل الأنبياء عليهم السلام فإن صغار الذنوب إذا دووم عليها أدت إلى كبارها كما ان مداومة صغار الطاعات مؤدية إلى تحري كبارها وقيل كررت الإشارة للدلالة على أن ما لحقهم كما أنه بسبب الكفر والقتل فهو بسبب ارتكابهم المعاصي واعتدائهم حدود الله تعالى وقيل الإشارة إلى الكفر والقتل والباء بمعنى مع ويجوز الإشارة إلى المتعدد بالمفرد بتأويل ما ذكر أو تقدم كما في قول رؤبة بن العجاج * فيها خطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق * أي كان ما ذكر والذي حسن ذلك في المضمرات والمبهمات
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271