تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٠٣
لما قبله أي أن الذي يكثر توفيق المذنبين لتوبة ويبالغ في قبولها منهم وفي الانعام عليهم «وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك» تذكير لنعمة أخرى عليهم بعد ما صدر عنهم ما صدر من الجناية العظيمة التي هي اتخاذ العجل أي لن نؤمن لأجل قولك ودعوتك أو لن نقر لك والمؤمن به أعطاء الله إياه التوراة أو تكليمه إياه أو أنه نبي أو انه تعالى جعل توبتهم بقتلهم أنفسهم «حتى نرى الله جهرة» أي عيانا وهي في الأصل مصدر قولك جهرت بالقراءة استعيرت للمعاينة لما بينهما من الاتحاد في الوضوح والانكشاف الا ان الأول في المسموعات والثاني في المبصرات ونصبها على المصدرية لأنها نوع من الرؤية أو حال من الفاعل أو المفعول وقرئ بفتح الهاء على أنها مصدر كالغلبة أو جمع كالكتبة فيكون حالا من الفاعل لا غير والقائلون هم السبعون المختارون لميقات التوبة عن عبادة العجل روى أنهم لما ندموا على ما فعلوا وقالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين أمر الله موسى عليه السلام أن يجمع سبعين رجلا ويحضر معهم الطور يظهرون فيه تلك التوبة فلما خرجوا إلى الطور وقع عليه عمود من الغمام وتغشاه كله فكلم الله موسى عليه السلام يأمره وينهاه وكان كلما كلمه تعالى أوقع على جبهته نورا ساطعا لا يستطيع أحد من السبعين النظر إليه وسمعوا كلامه تعالى مع موسى عليه السلام افعل ولا تفعل فعند ذلك طمعوا في الرؤية فقالوا ما قالوا كما سيأتي في سورة الأعراف إن شاء الله تعالى وقيل عشرة آلاف من قومه «فأخذتكم الصاعقة» لفرط العناد والتعنت وطلب المستحيل فإنهم ظنوا أنه سبحانه وتعالى مما يشبه الأجسام وتتعلق به الرؤية تعلقها بها على طريق المقابلة في الجهات والأحياز ولا ريب في استحالته إنما الممكن في شأنه تعالى الرؤية المنزهة عن الكيفيات بالكلية وذلك للمؤمن ين في الآخرة وللأفراد من الأنبياء الذين بلغوا في صفاء الجوهر إلى حيث تراهم كأنهم وهم في جلابيب من أبدانهم قد نضوها وتجردوا عنها إلى عالم القدس في بعض الأحوال في الدنيا قيل جاءت نار من السماء فأحرقتهم وقيل صيحة وقيل جنود سمعوا بحسيسها فخروا صعقين ميتين يوما وليلة وعن وهب أنهم لم يموتوا بل لما رأوا تلك الهيئة الهائلة أخذتهم الرعدة ورجفوا حتى كادت تبين مفاصلهم وتنقض ظهورهم وأشرفوا على الهلاك فعند ذلك بكى موسى عليه السلام ودعا ربه فكشف الله عز وجل عنهم ذلك فرجعت إليهم عقولهم ومشاعرهم ولم تكن صعقة موسى عليه السلام موتا بل غشية لقوله تعالى «فلما أفاق» «وأنتم تنظرون» أي ما أصابكم بنفسه أو بآثاره «ثم بعثناكم من بعد موتكم» بتلك الصاعقة قيد البعث به لما أنه قد يكون من الإغماء وقد يكون من النوم كما في قوله تعالى «ثم بعثناهم لنعلم» الخ «لعلكم تشكرون» أي نعمة البعث أو ما كفرتموه بما رأيتم من بأس الله تعالى «وظللنا عليكم الغمام» أي جعلناها بحيث تلقى عليكم ظلها وذلك أنه تعالى سخر
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271