مسده والتقدير لولا فضل الله حاصل وعند الكوفيين فاعل فعل محذوف أي لولا ثبت فضل الله تعالى عليكم «ولقد علمتم» أي عرفتم «الذين اعتدوا منكم في السبت» روى أنهم أمروا بأن يتمحضوا يوم السبت للعبادة ويتجردوا لها ويتركوا الصيد فاعتدى فيه أناس منهم في زمن داود عليه السلام فاشتغلوا بالصيد وكانوا يسكنون قرية بساحل البحر يقال لها أيلة فإذا كان يوم السبت لم يبق في البحر حوت إلا برز وأخرج خرطومه فإذا مضى تفرقت فحفروا حياضا وشرعوا إليها الجداول وكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصطادونها يوم الأحد فالمعنى وبالله لقد علمتموهم حين فعلوا من قبيل جناياتكم ما فعلوا فلم نمهلهم ولم نؤخر عقوبتهم بل عجلناها «فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين» أي جامعين بين صورة القردة والخسوء وهو الطرد والصغار على أن حاسئين نعت لقردة وقيل حال من اسم كونوا عند من يجيز عمل كان في الظروف والحال وقيل من الضمير المستكن في قردة لأنه في معنى ممسوخين وقال مجاهد ما مسخت صورهم ولكن قلوبهم فمثلوا بالقردة كما مثلوا بالحمار في قوله تعالى «كمثل الحمار يحمل أسفارا» والمراد بالأمر بيان سرعة التكوين وأنهم صاروا كذلك كما أراده عز وجل وقرئ قردة بفتح القاف وكسر الراء وخاسين بغير همز «فجعلناها» أي المسخة والعقوبة «نكالا» عبرة تنكل المعتبر بها أي تمنعه وتردعه ومنه النكل للقيد «لما بين يديها وما خلفها» لما قبلها وما بعدها من الأمم إذ ذكرت حالهم في زبر الأولين واشتهرت قصصهم في الآخرين أو لمعاصريهم ومن بعدهم أو لما بحضرتها من القرى وما تباعد عنها أو لأهل تلك القرية وما حواليها أو لأجل ما تقدم عليها من ذنوبهم وما تأخر منها «وموعظة للمتقين» من قومهم أو لكل متق سمعها «وإذ قال موسى لقومه» توبيخ آخر لإخلاف بني إسرائيل بتذكير بعض جنايات صدرت عن أسلافهم أي واذكروا وقت قول موسى عليه السلام لأجدادكم «إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة» وسببه أنه كان في بني إسرائيل شيخ موسر فقتله بنو عمه طمعا في ميراثه فطرحوه على باب المدينة ثم جاءوا يطالبون بديته فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها فيحيا فيخبرهم بقاتله «قالوا» استئناف وقع جوابا عما ينساق إليه الكلام كأنه قيل فماذا صنعوا هل سارعوا إلى الامتثال أو لا فقيل قالوا «أتتخذنا هزوا» بضم الزاء وقلب الهمزة واوا وقرئ بالهمزة مع الضم والسكون أي أتجعلنا مكان هزؤ أو أهل هزؤ أو مهزوءا بنا أو الهزؤ نفسه استبعادا لما قاله واستخفافا به «قال» استئناف كما سبق «أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين» لأن الهزؤ في أثناء تبليغ امر الله سبحانه جهل وسفه نفى عنه عليه السلام
(١١٠)