لهم السحاب يسير بسيرهم وهم في التيه يظلهم من الشمس وينزل بالليل عمود من نار يسيرون في ضوئه وثيابهم لا تتسخ ولا تبلى «وأنزلنا عليكم المن والسلوى» أي الترنجبين والسماني وقيل كان ينزل عليهم المن مثل الثلج من الفجر إلى الطلوع لكل إنسان صاع وتبعث الجنوب عليهم السماني فيذبح الرجل منه ما يكفيه «كلوا» على إرادة القول أي قائلين لهم أو قيل لهم كلوا «من طيبات ما رزقناكم» من مستلذاته وما موصولة كانت أو موصوفة عبارة عن المن والسلوى «وما ظلمونا» كلام عدل به عن نهج الخطاب السابق للإيذان باقتضاء جنايات المخاطبين للإعراض عنهم وتعداد قبائحهم عند غيرهم على طريق المباثة معطوف على مضمر قد حذف للإيجار والإشعار بأنه أمر محقق غنى عن التصريح به أي فظلموا بأن كفروا تلك النعم الجليلة وما ظلمونا بذلك «ولكن كانوا أنفسهم يظلمون» بالكفران إذ لا يتخطاهم ضرورة وتقديم المفعول للدلالة على القصر الذي يقتضيه النفي السابق وفيه ضرب تهكم بهم والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على تماديهم في الظلم واستمرارهم على الكفر «وإذ قلنا» تذكير لنعمة أخرى من جنابه تعالى وكفرة أخرى لأسلافهم أي واذكروا وقت قولنا لآبائكم أثر ما أنقذناهم من التيه «ادخلوا هذه القرية» منصوبة على الظرفية عند سيبويه وعلى المفعولية عند الأخفش وهي بيت المقدس وقيل أريحا «فكلوا منها حيث شئتم رغدا» أي واسعا هنيئا ونصبه على المصدرية أو الحالية من ضمير المخاطبين وفيه دلالة على أن المأمور به الدخول على وجه الإقامة والسكنى فيؤول إلى ما في سورة الأعراف من قوله تعالى «اسكنوا هذه القرية» «وادخلوا الباب» أي باب القرية على ما روى من أنهم دخلوا أريحاء في زمن موسى عليه السلام كما سيجيء في سورة المائدة أو باب القبة التي كانوا يصلون إليها فإنهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى عليه السلام «سجدا» أي متطامنين مخبتين أو ساجدين لله شكرا على إخراجهم من التيه «وقولوا حطة» أي مسألتنا أو أمرك حطة وهي فعله من الحط كالجلسة وقرئ بالنصب على الأصل بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة أو على أنها مفعول قولوا أي قولوا هذه الكلمة وقيل معناه أرنا حطة أي أن نحط رحالنا في هذه القرية ونقيم بها «نغفر لكم خطاياكم» لما تفعلون من السجود والدعاء وقرئ بالياء والتاء على البناء للمفعول وأصل خطايا خطايىء كخضايع فعند سيبويه أبدلت الياء الزائدة همزة لوقوعها بعد الألف واجتمعت همزتان وأبدلت الثانية ياء ثم قلبت ألفا وكانت الهمزة بين ألفين فأبدلت ياء وعند الخليل قدمت الهمزة على الياء ثم فعل بها ما ذكر «وسنزيد المحسنين» ثوابا جعل الامتثال توبة للمسئ وسببا لزيادة الثواب للمحسن وأخرج ذلك عن صورة الجواب إلى الوعد إيذانا بأن المحسن بصدد ذلك وإن لم يفعله فكيف إذا فعله وأنه يفعله لا محالة
(١٠٤)