تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١١٨
مما لا يكاد يصدر عن العاقل أي أتحدثونهم بذلك ليحتجوا عليكم فيبكتوكم والمحدثون به وإن لم يحوموا حول ذلك الغرض لكن فعلهم ذلك لما كان مستتبعا له البتة جعلوا فاعلين للغرض المذكور وإظهارا لكمال سخافة عقولهم وركاكة آرائهم «عند ربكم» أي في حكمة وكتابه كما يقال هو عند الله كذا إي في يدفعه إذ هم عالمون بأنهم محجوجون يومئذ حدثوا به أو لم يحدثوا والاعتذار إلزام المؤمنين كتابه وشرعه وقيل عند ربكم يوم القيامة ورد عليه بأن الإخفاء لا إياهم وتبكيتهم بأن يقولوا لهم ألم تحدثونا بما في كتابكم في الدنيا من حقية ديننا وصدق نبينا أفحش فيجوز أن يكون المحذور عندهم هذا الإلزام بإرجاع الضمير في به إلى التحديث دون المحدث به ولا ريب في أنه مدفوع بالإخفاء لا تساعده الآية الكريمة الآتية كما ستقف عليه بإذن الله عز وجل «أفلا تعقلون» من تمام التوبيخ والعتاب والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي ألا تلاحظون فلا تعقلون هذا الخطأ الفاحش أو شيئا من الأشياء التي من جملتها هذا فالمنكر عدم التعقل ابتداء أو أتفعلون ذلك فلا تعقلون بطلانه مع وضوحه حتى تحتاجون إلى التنبيه عليه فالمنكر حينئذ عدم التعقل بعد الفعل هذا وأما ما قيل من أنه خطاب من جهة الله سبحانه للمؤمنين متصل بقوله تعالى «أفتطمعون» والمعنى أفلا تعقلون حالهم وأن لا مطمع لكم في إيمانهم فيأباه قوله تعالى «أو لا يعلمون» فإنه إلى آخره تجهيل لهم من من جهته تعالى فيما حكى عنهم فيكون إيراد خطاب المؤمنين في أثنائه من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه على أن في تخصيص الخطاب بالمؤمنين من التعسف وفي تعميمه للنبي أيضا صلى الله عليه وسلم كما في أفتطمعون من سوء الأدب مالا يخفى والهمزة للإنكار والتوبيخ كما قبلها والواو للعطف على مقدر ينساق إليه الذهن والضمير للموبخين أي أيلومونهم على التحديث المذكور مخافة المحاجة ولا يعلمون «أن الله يعلم ما يسرون» أي يسرونه فيما بينهم من المؤمنين أو ما يضمرونه في قلوبهم فيثبت الحكم في ذلك بالطريق الأولى «وما يعلنون» أي يظهرونه للمؤمنين لأصحابهم حسبما سبق فحينئذ يظهر الله تعالى ما أرادوا إخفاءه بواسطة الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتحصل المحاجة ويقع التبكيت كما وقع في آية الرجم وتحريم بعض المحرمات عليهم فأي فائدة في اللوم والعتاب ومن ههنا تبين أن المحذور عندهم هو المحاجة بما فتح الله عليهم وهي حاصلة في الدارين حدثوا به أم لا لا بالتحديث به حتى يندفع بالإخفاء وقيل الضمير للمنافقين فقط أولهم وللموبخين أو لآبائهم المحرفين أي أيفعلون ما يفعلون ولا يعلمون أن الله يعلم جميع ما يسرون وما يعلنون ومن جملته إسرارهم الكفر وإظهارهم الإيمان وإخفاء ما فتح الله عليهم وإظهار غيره وكتم أمر الله وإظهار ما أظهروه افتراء وإنما قدم الإسرار على الإعلان للإيذان بافتضاحهم ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر والمبالغة في بيان شمول علمه المحيط لجميع المعلومات كأن علمه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه مع كونهما في الحقيقة على السوية فإن علمه تعالى بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها بل وجود كل شئ في نفسه علم بالنسبة إليه تعالى وفي
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271