وقوله تعالى: (كلا بل تحبون العاجلة) اي: الدنيا وشهواتها قال الغزالي في " الاحياء " اعلم أن رأس الخطايا المهلكة هو حب الدنيا ورأس أسباب النجاة هو التجافي بالقلب عن دار الغرور وقال رحمه الله: اعلم أنه لا وصول إلى سعادة لقاء الله سبحانه في الآخرة الا بتحصيل محبته والانس به في الدنيا ولا تحصل المحبة الا بالمعرفة ولا تحصل المعرفة الا بدوام الفكر ولا يحصل الانس الا بالمحبة ودوام الذكر ولا تتيسر المواظبة على الذكر والفكر الا بانقلاع حب الدنيا من القلب ولا ينقلع ذلك الا بترك لذات الدنيا وشهواتها ولا يمكن ترك المشتهيات الا بقمع الشهوات ولا تنقمع الشهوات بشئ كما تنقمع بنار الخوف المحرقة للشهوات انتهى.
وقرأ ابن كثير وغيره " يحبون " و " يذرون " بالياء على ذكر الغائب ولما ذكر سبحانه الآخرة أخبر بشئ من حال أهلها فقال: (وجوه يومئذ ناضرة) اي: ناعمة والنضرة: النعمة وجمال البشرة قال الحسن: وحق لها ان تنضر وهي تنظر إلى خالقها.
وقوله تعالى: (إلى ربها ناظرة) حمل جميع أهل السنة هذه الآية على انها متضمنة رؤية المؤمنين لله عز وجل بلا تكييف ولا تحديد كما هو معلوم موجود لا يشبه الموجودات كذلك هو سبحانه مرئي لا يشبه المرئيات في شئ فإنه ليس كمثله شئ لا اله الا هو وقد تقدم استيعاب الكلام على هذه المسألة وما في ذلك من صحيح الأحاديث والباسرة: العابسة المغمومة النفوس والبسور: أشد العبوس وانما ذكر تعالى الوجوه لأنه فيها يظهر ما في النفس من سرور أو غم والمراد أصحاب الوجوه والفاقرة المصيبة التي تكسر فقار الظهر وقال أبو عبيدة هي من فقرت [البعير] إذا وسمت أنفه بالنار.