الثانية - قوله تعالى (للذين يعملون السوء بجهالة) السوء في هذه الآية، و (الانعام) (أنه من عمل منكم سوءا بجهالة (1)) يعم الكفر والمعاصي، فكل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته. قال قتادة: أجمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن كل معصية فهي بجهالة، عمدا كانت أو جهلا، وقال ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد والسدي. وروي عن الضحاك ومجاهد أنهما قالا: الجهالة هنا العمد. وقال عكرمة:
أمور الدنيا كلها جهالة، يريد الخاصة بها الخارجة عن طاعة الله. وهذا القول جار مع قوله تعالى: (إنما الحياة الدنيا (2) لعب ولهو). وقال الزجاج: يعني قوله (بجهالة) اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية. وقيل: (بجهالة) أي لا يعلمون كنه العقوبة، ذكره ابن فورك. قال ابن عطية: وضعف قوله هذا ورد عليه.
الثالثة - قوله تعالى: (ثم يتوبون من قريب) قال ابن عباس والسدي:
معناه قبل المرض والموت. وروي عن الضحاك أنه قال: كل ما كان قبل الموت فهو قريب. وقال أبو مجلز والضحاك أيضا وعكرمة وابن زيد وغيرهم: قبل المعاينة للملائكة والسوق (3)، وأن يغلب المرء على نفسه. ولقد أحسن محمود الوراق حيث قال:
قدم لنفسك توبة مرجوة * قبل الممات وقبل حبس الألسن بادر بها غلق (4) النفوس فإنها * ذخر وغنم للمنيب المحسن قال علماؤنا رحمهم الله: وإنما صحت التوبة منه في هذا الوقت، لان الرجاء باق ويصح منه الندم والعزم على ترك الفعل. وقد روى الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر). قال: هذا حديث حسن غريب. ومعنى ما لم يغرغر: ما لم تبلغ روحه حلقومه، فيكون بمنزلة الشئ الذي يتغر غربه. قاله الهروي