وقيل: المعنى يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار. والمبادر في الصحة أفضل، وألحق لأمله من العمل الصالح. والبعد كل البعد الموت، كما قال:
* وأين مكان البعد إلا مكانيا (1) * وروى صالح المري عن الحسن قال: من عير أخاه بذنب قد تاب إلى الله منه ابتلاه الله به. وقال الحسن أيضا: إن إبليس لما هبط قال: بعزتك لا أفارق ابن آدم ما دام الروح في جسده. قال الله تعالى: (فبعزتي لا أحجب التوبة عن ابن آدم ما لم تغرغر نفسه).
الرابعة - قوله تعالى: (وليست التوبة) نفى سبحانه أن يدخل في حكم التائبين من حضره الموت وصار في حين اليأس، كما كان فرعون حين صار في غمرة الماء والغرق فلم ينفعه ما أظهر من الايمان، لان التوبة في ذلك الوقت لا تنفع، لأنها حال زوال التكليف. وبهذا قال ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسرين. وأما الكفار يموتون على كفرهم فلا توبة لهم في الآخرة، وإليهم الإشارة بقوله تعالى: (أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) وهو الخلود. وإن كانت الإشارة بقوله إلى الجميع فهو في جهة العصاة عذاب لا خلود معه، وهذا على أن السيئات ما دون الكفر، أي ليست التوبة لمن عمل دون الكفر من السيئات ثم تاب عند الموت، ولا لمن مات كافرا فتاب يوم القيامة. وقد قيل:
إن السيئات هنا الكفر، فيكون المعنى وليست التوبة للكفار الذين يتوبون عند الموت، ولا للذين يموتون وهم كفار. وقال أبو العالية: نزل أول الآية في المؤمنين (إنما التوبة على الله). والثانية في المنافقين. (وليست التوبة للذين يعملون السيئات) يعني قبول التوبة للذين أصروا على فعلهم. (حتى إذا حضر أحدهم الموت) يعني الشرق (2) والنزع ومعاينة ملك الموت. (قال إني تبت الآن) فليس لهذا توبة. ثم ذكر توبة الكفار فقال تعالى: (ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) أي وجيعا دائما. وقد تقدم (3).