فشهادته مردودة، كمن شهد لرجل على شراء دار هو شفيعها، أو كمن حكم له على رجل بدين وهو مفلس، فشهد المفلس على رجل بدين ونحوه. قال الخطابي: ومن رد شهادة القانع لأهل البيت بسبب جر المنفعة فقياس قوله أن يرد شهادة الزوج لزوجته، لان ما بينهما من التهمة في جر المنفعة أكثر، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة. والحديث حجة على من أجاز شهادة الأب لابنه، لأنه يجر به النفع لما جبل عليه من حبه والميل إليه، ولأن يمتلك عليه ماله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أنت ومالك لأبيك). وممن ترد شهادته عند مالك البدوي على الفروي، قال: إلا أن يكون في بادية أو قرية، فأما الذي يشهد في الحضر بدويا ويدع جيرته من أهل الحضر عندي مريب. وقد روى أبو داود والدارقطني عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية). قال [محمد (1)] ابن [عبد (1)] الحكم: تأول مالك هذا الحديث على أن المراد به الشهادة في الحقوق والأموال، ولا ترد الشهادة في الدماء وما في معناها مما يطلب به الخلق. وقال عامة أهل العلم: شهادة البدوي إذا كان عدلا يقيم الشهادة على وجهها جائزة، والله أعلم. وقد مضى القول في هذا في (البقرة (2))، ويأتي في (براءة (3)) تمامها إن شاء الله تعالى.
الرابعة - قوله تعالى: (شهداء لله) نصب على النعت ل (قوامين)، وإن شئت كان خبرا بعد خبر. قال النحاس: وأجود من هذين أن يكون نصبا على الحال بما في (قوامين) من ذكر الذين آمنوا، لأنه نفس المعنى، أي كونوا قوامين بالعدل عند شهادتكم. قال ابن عطية: والحال فيه ضعيفة في المعنى، لأنها تخصيص القيام بالقسط إلى معنى الشهادة فقط. ولم ينصرف (شهداء) لان فيه ألف التأنيث.
الخامسة - قوله تعالى: (لله) معناه لذات الله ولوجهه ولمرضاته وثوابه.
(ولو على أنفسكم) متعلق ب (شهداء)، هذا هو الظاهر الذي فسر عليه الناس، وإن هذه الشهادة المذكورة هي في الحقوق فيقر بها لأهلها، فذلك قيامه بالشهادة على نفسه، كما تقدم.