الثالثة - فقد اختلف فيها قديما وحديثا، فقال ابن شهاب الزهري: كان من مضى من السلف الصالح يجيزون شهادة الوالدين (1) والأخ، ويتأولون في ذلك قول الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله) فلم يكن أحد يتهم في ذلك من السلف الصالح رضوان الله عليهم.
ثم ظهرت من الناس أمور حملت الولاة على اتهامهم، فتركت شهادة من يتهم، وصار ذلك لا يجوز في الولد والوالد والأخ والزوج والزوجة، وهو مذهب الحسن والنخعي والشعبي وشريح ومالك والثوري والشافعي و ابن حنبل. وقد أجاز قوم شهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا. وروي عن عمر بن الخطاب أنه أجازه، وكذلك روي عن عمر بن عبد العزيز، وبه قال إسحاق والثوري والمزني. ومذهب مالك جواز شهادة الأخ لأخيه إذا كان عدلا إلا في النسب. وروى عنه ابن وهب أنها لا تجوز إذا كان في عياله أو في نصيب من مال يرثه. وقال مالك وأبو حنيفة: شهادة الزوج لزوجته لا تقبل، لتواصل منافع الأملاك بينهما و هي محل الشهادة. وقال الشافعي: تجوز شهادة الزوجين بعضهما لبعض، لأنهما أجنبيان، وإنما بينهما عقد الزوجية وهو معرض للزوال. والأصل قبول الشهادة إلا حيث خص فيما عدا المخصوص فبقي على الأصل، وهذا ضعيف، فإن الزوجية توجب الحنان والمواصلة والألفة والمحبة، فالتهمة قوية ظاهرة. وقد روى أبو داود من حديث سليمان بن موسى عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم. قال الخطابي:
ذو الغمر هو الذي بينه وبين المشهود عليه عداوة ظاهرة، فترد شهادته [عليه (2)] للتهمة.
وقال أبو حنيفة: شهادته على العدو مقبولة إذا كان عدلا. والقانع السائل والمستطعم، وأصل القنوع السؤال. ويقال في القانع: إنه المنقطع إلى القوم يخدمهم ويكون في حوائجهم، وذلك مثل الأجير أو الوكيل ونحوه. ومعنى رد هذه الشهادة التهمة في جر المنفعة إلى نفسه، لان القانع لأهل البيت ينتفع بما يصير إليهم من نفع. وكل من جر إلى نفسه بشهادته نفعا