فيه ثلاث مسائل:
الأولى - لما تقدم إلى الولاة في الآية المتقدمة وبدأ بهم فأمرهم بأداء الأمانات وأن يحكموا بين الناس بالعدل، تقدم في هذه الآية إلى الرعية فأمر بطاعته عز وجل أولا، وهي امتثال أو امره واجتناب نواهيه، ثم بطاعة رسوله ثانيا فيما أمر به ونهى عنه، ثم بطاعة الامراء ثالثا، على قول الجمهور وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم. قال سهل بن عبد الله التستري: أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل والأوزان، والاحكام والحج والجمعة والعيدين والجهاد. قال سهل: وإذا نهى السلطان العالم أن يفتي فليس له أن يفتي، فإن أفتى فهو عاص وإن كان أميرا جائرا. وقال ابن خويز منداد: وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان لله فيه طاعة، ولا تجب فيما كان لله فيه معصية، ولذلك قلنا: إن ولاة زماننا لا تجوز طاعتهم ولا معاونتهم ولا تعظيمهم، ويجب الغزو معهم متى غزوا، والحكم من قبلهم، وتولية الإمامة والحسبة، وإقامة ذلك على وجه الشريعة. وإن صلوا بنا وكانوا فسقة من جهة المعاصي جازت الصلاة معهم، وإن كانوا مبتدعة لم تجز الصلاة معهم إلا أن يخافوا فيصلي معهم تقية وتعاد الصلاة.
قلت: روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: حق على الامام أن يحكم بالعدل، ويؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك وجب على المسلمين أن يطيعوه، لان الله تعالى أمرنا بأداء الأمانة والعدل، ثم أمر بطاعته. وقال جابر بن عبد الله ومجاهد: (أولو الامر) أهل القرآن والعلم، وهو اختيار مالك رحمه الله، ونحوه قول الضحاك قال: يعني الفقهاء والعلماء في الدين. وحكي عن مجاهد أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة. وحكى عن عكرمة أنها إشارة إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما خاصة. وروى سفيان بن عيينة عن الحكم بن أبان أنه سأل عكرمة عن أمهات الأولاد فقال: هن حرائر. فقلت بأي شئ؟ قال بالقرآن.
قلت: بأي شئ في القرآن؟ قال قال الله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم) وكان عمر من أولي الام، قال: عتقت ولو بسقط. وسيأتي هذا المعنى مبينا