الثانية - خلافا للقدرية في قولهم: إن الحذر يدفع ويمنع من مكائد الأعداء، ولو لم يكن كذلك ما كان لأمرهم بالحذر معنى. فيقال لهم: ليس في الآية دليل على أن الحذر ينفع من القدر شيئا، ولكنا تعبدنا بألا نلقي بأيدينا إلى التهلكة، ومنه الحديث (اعقلها وتوكل). وإن كان القدر جاريا على ما قضى، ويفعل الله ما يشاء، فالمراد منه طمأنينة النفس، لا أن ذلك ينفع من القدر وكذلك أخذ الحذر. الدليل على ذلك أن الله تعالى أثنى على أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا (1)) فلو كان يصيبهم غير ما قضى عليهم لم يكن لهذا الكلام معنى.
الثالثة - قوله تعالى: (فانفروا ثبات) يقال: نفر ينفر (بكسر الفاء) نفيرا.
ونفرت الدابة تنفر (بضم الفاء) نفورا، المعنى: انهضوا لقتال العدو. واستنفر الامام الناس دعاهم إلى النفر، أي للخروج إلى قتال العدو. والنفير اسم للقوم الذين ينفرون، وأصله من النفار والنفور وهو الفزع، ومنه قوله تعالى: (ولوا على أدبارهم نفورا (2) أي نافرين.
ومنه نفر الجلد أي ورم. وتخلل رجل بالقصب فنفر فمه أي ورم. قال أبو عبيد: إنما هو من نفار الشئ من الشئ وهو تجافيه عنه وتباعده منه. قال ابن فارس: النفر عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة. والنفير النفر أيضا، وكذلك النفر والنفرة، حكاها الفراء بالهاء.
ويوم النفر: يوم ينفر الناس عن منى. (ثبات) معناه جماعات متفرقات. ويقال:
ثبين يجمع جمع السلامة في التأنيث والتذكير. قال عمرو بن كلثوم:
فأما يوم خشينا عليهم * فتصبح خيلنا عصبا (3) ثبينا فقوله تعالى: (ثبات) كناية عن السرايا، الواحدة ثبة وهي العصابة من الناس. وكانت في الأصل الثبية. وقد ثبيت الجيش جعلتهم ثبة ثبة. والثبة: وسط الحوض الذي يثوب إليه الماء أي يرجع قال النحاس: وربما توهم الضعيف في العربية أنهما واحد، وأن أحدهما من الآخر، وبينهما فرق، فثبة الحوض يقال في تصغيرها: ثويبة، لأنها من ثاب يثوب.
ويقال في [ثبة (4)] الجماعة: ثيبة. قال غير: فثبة الحوض محذوفة الواو وهو عين الفعل، وثبة الجماعة