تقدم أنه تعالى أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلا، فكان ذلك خيانة منهم فانجر الكلام إلى ذكر جميع الأمانات، فالآية شاملة بنظمها لكل أمانة وهي أعداد كثيرة كما ذكرنا. وأمهاتها في الاحكام: الوديعة واللقطة والرهن والعارية. وروى أبي بن كعب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك). أخرجه الدارقطني. ورواه أنس وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم في (البقرة (1)) معناه. وروى أبو أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: (العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضى والزعيم غارم). صحيح أخرجه الترمذي وغيره. وزاد الدارقطني: فقال رجل: فعهد الله؟ قال: (عهد الله أحق ما أدي). وقال بمقتضى هذه الآية والحديث في رد الوديعة وأنها مضمونة - على كل حال كانت مما يغاب عليها أو لا يغاب تعدي فيها أو لم يتعد - عطاء والشافعي وأحمد وأشهب. وروي أن ابن عباس وأبا هريرة رضي الله عنهما ضمنا الوديعة. وروى ابن القاسم عن مالك أن من استعار حيوانا أو غيره مما لا يغاب عليه فتلف عنده فهو مصدق في تلفه ولا يضمنه إلا بالتعدي. وهذا قول الحسن البصري والنخعي، وهو قول الكوفيين والأوزاعي قالوا: ومعنى قوله عليه السلام: (العارية مؤداة) هو كمعنى قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها). فإذا تلفت الأمانة لم يلزم المؤتمن غرمها لأنه مصدق، فكذلك العارية إذا تلفت من غير تعد، لأنه لم يأخذها على الضمان، فإذا تلفت بتعديه عليها لزمه قيمتها لجنايته عليها. وروي عن علي وعمر وابن مسعود أنه لا ضمان في العارية. وروى الدارقطني عن، عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضمان على مؤتمن). واحتج الشافعي فيما استدل به بقول صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم لما استعار منه الأدراع: أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ فقال: (بل عارية مؤداة).