يستحيل. وسيأتي [بيان (1)] الجمع بين الآي في هذه السورة وفي (الفرقان (2)) إن شاء الله تعالى.
وفى الترمذي عن علي بن أبي طالب قال: ما في القرآن آية أحب إلي من هذه الآية (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) قال: هذا حديث حسن غريب.
قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) فيه ثلاث مسائل:
الأولى - قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم) هذا اللفظ عام في ظاهره ولم يختلف أحد من المتأولين في أن المراد اليهود. واختلفوا في المعنى الذي زكوا به أنفسهم، فقال قتادة والحسن: ذلك قولهم: (نحن أبناء الله وأحباؤه)، وقولهم: (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) وقال الضحاك والسدي: قولهم لا ذنوب لنا وما فعلناه نهارا غفر لنا ليلا وما فعلناه ليلا غفر لنا نهارا، ونحن كالأطفال في عدم الذنوب. وقال مجاهد وأبو مالك وعكرمة: تقديمهم الصغار للصلاة، لأنهم لا ذنوب عليهم. وهذا يبعد من مقصد الآية.
وقال ابن عباس: ذلك قولهم آباؤنا الذين ماتوا يشفعون لنا ويزكوننا. وقال عبد الله ابن مسعود: ذلك ثناء بعضهم على بعض. وهذا أحسن ما قيل، فإنه الظاهر من معنى الآية، والتزكية: التطهير والتبرية (3) من الذنوب.
الثانية: هذه الآية وقوله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم (4)) يقتضي الغض من المزكي لنفسه بلسانه، والاعلام بأن الزاكي المزكى من حسنت أفعاله وزكاه الله عز وجل فلا عبرة بتزكية الانسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له. وفي صحيح مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسميت برة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم) فقالوا: بم نسميها؟ فقال: (سموها زينب). فقد دل الكتاب والسنة على المنع من تزكية الانسان نفسه، ويجري هذا المجرى ما قد كثر في هذه الديار المصرية من نعتهم أنفسهم بالنعوت التي تقتضي التزكية، كزكي الدين ومحي الدين وما أشبه ذلك، لكن لما كثرت قبائح المسمين بهذه الأسماء ظهر تخلف هذه النعوت عن أصلها (5) فصارت لا تفيد شيئا.