وإنما الألم واقع على النفوس، لأنها هي التي تحس وتعرف فتبديل الجلود زيادة في عذاب النفوس. يدل عليه قوله تعالى: (ليذوقوا العذاب) وقوله تعالى: (كلما خبت زدناهم سعيرا (1)). فالمقصود تعذيب الأبدان وإيلام الأرواح. ولو أراد الجلود لقال: ليذقن العذاب.
مقاتل: تأكله النار كل يوم سبع مرات. الحسن: سبعين ألف مرة كلما أكلتهم قيل لهم:
عودوا فعادوا كما كانوا. ابن عمر: إذا احترقوا بدلت لهم جلود بيض كالقراطيس. وقيل:
عنى (2) بالجلود السرابيل، كما قال تعالى: (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران (3)) سميت جلودا للزومها جلودهم على المجاورة، كما يقال للشئ الخاص بالانسان:
هو جلدة ما بين عينيه. وأنشد ابن عمر رضي الله عنه:
يلومونني في سالم وألومهم * وجلدة بين العين والأنف سالم فكلما احترقت السرابيل أعيدت. قال الشاعر:
كسا اللؤم تيما خضرة في جلودها * فويل لتيم من سرابيلها الخضر فكنى عن الجلود بالسرابيل. وقيل: المعنى أعدنا الجلد الأول جديدا، كما تقول للصائغ:
صغ لي من هذا الخاتم خاتما غيره، فيكسره ويصوغ لك منه خاتما. فالخاتم المصوغ هو الأول إلا أن الصياغة تغيرت والفضة واحدة. وهذا كالنفس إذا صارت ترابا وصارت لا شئ ثم أحياها الله تعالى. وكعهدك بأخ لك صحيح (4) ثم تراه [بعد ذلك (5)] سقيما مدنفا فتقول له:
كيف أنت؟ فيقول: أنا غير الذي عهدت. فهو هو، ولكن حاله تغيرت. فقول القائل:
أنا غير الذي عهدت، وقوله تعالى: (غيرها) مجاز. ونظيره قوله تعالى: (يوم تبدل الأرض غير الأرض (3)) وهي تلك الأرض بعينها إلا أنها تغير آكامها وجبالها وأنهارها وأشجارها، ويزاد في سعتها ويسوى ذلك منها، على ما يأتي بيانه في سورة (إبراهيم (3)) عليه السلام.
ومن هذا المعنى قول الشاعر:
فما الناس بالناس الذين عهدتهم * ولا الدار بالدار التي كنت أعرف