قوله تعالى: (ولا يظلمون فتيلا) الضمير في (يظلمون) عائد على المذكورين ممن زكى نفسه وممن يزكيه الله عز وجل. وغير هذين الصنفين علم أن الله تعالى لا يظلمه من غير هذه الآية. والفتيل الخيط الذي في شق نواة التمرة، قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد.
وقيل: القشرة التي حول النواة بينها وبين البسرة. وقال ابن عباس أيضا وأبو مالك والسدي: هو ما يخرج بين إصبعيك أو كفيك من الوسخ إذا فتلتهما، فهو فعيل بمعنى مفعول. وهذا كله يرجع إلى كناية عن تحقير الشئ وتصغيره، وأن الله لا يظلمه شيئا.
ومثل هذا في التحقير قوله تعالى: (ولا يظلمون نقيرا (1)) وهو النكتة التي في ظهر النواة، ومنه تنبت النخلة، وسيأتي. قال الشاعر يذم بعض الملوك:
تجمع الجيش ذا الألوف وتغزو * ثم لا ترزأ العدو فتيلا ثم عجب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: (أنظر كيف يفترون على الله الكذب) في قولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه. وقيل: تزكيتهم لأنفسهم، عن ابن جريج. وروي أنهم قالوا: ليس لنا ذنوب إلا كذنوب أبنائنا يوم تولد. والافتراء الاختلاق، ومنه أفترى فلان على فلان أي رماه بما ليس فيه. وفريت الشئ قطعته. (وكفى به اثما مبينا) نصب على البيان. والمعنى تعظيم الذنب وذمه. العرب تستعمل مثل ذلك في المدح والذم.
قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب) يعني اليهود (يؤمنون بالجبت والطاغوت) اختلف أهل التأويل في تأويل الجبت والطاغوت، فقال ابن عباس وابن جبير وأبو العالية: الجبت الساحر بلسان الحبشة، والطاغوت الكاهن. وقال الفاروق عمر رضي الله عنه: الجبت السحر والطاغوت الشيطان. ابن مسعود: الجبت والطاغوت هاهنا كعب ابن الأشرف وحيي بن أخطب. عكرمة: الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب ابن الأشرف، دليله قوله تعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت). قتادة: الجبت الشيطان والطاغوت الكاهن. وروى ابن وهب عن مالك بن أنس: الطاغوت ما عبد من دون الله. قال: وسمعت من يقول إن الجبت الشيطان، ذكره النحاس. وقيل: هما (2) كل