في الرأي (فلا يؤمنون إلا قليلا) أي إلا إيمانا قليلا لا يستحقون به اسم الايمان. وقيل:
معناه لا يؤمنون إلا قليلا منهم، وهذا بعيد لأنه عز وجل قد أخبر عنهم أنه لعنهم بكفرهم.
قوله تعالى: (يا أيها الذين أتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا) قال ابن إسحاق: كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا الأعور وكعب بن أسد فقال لهم: (يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق) قالوا: ما نعرف ذلك يا محمد. وجحدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر، فأنزل الله عز وجل فيهم (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها) إلى آخر الآية.
(مصدقا لما معكم) نصب على الحال. (من قبل أن نطمس وجوها) الطمس استئصال أثر الشئ، ومنه قوله تعالى: (فإذا النجوم طمست (1)). ونطمس ونطمس بكسر الميم وضمها في المستقبل لغتان. ويقال في الكلام: طسم يطسم ويطسم بمعنى طمس، يقال: طمس الأثر وطسم أي امحى، كله لغات، ومنه قوله تعالى: (ربنا اطمس على أموالهم (2)) أي أهلكها، عن ابن عرفة. ويقال: طمسته فطمس لازم ومتعد. وطمس الله بصره، وهو مطموس البصر إذا ذهب أثر العين، ومنه قوله تعالى: (ولو نشاء لطمسنا على أعينهم (3)) يقول أعميناهم.
واختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الآية، هل هو حقيقة فيجعل الوجه كالقفا فيذهب بالأنف والفم والحاجب والعين. أو ذلك عبارة عن الضلالة في قلوبهم وسلبهم التوفيق؟
قولان. روي عن أبي بن كعب أنه قال: (من قبل أن نطمس) من قبل أن نضلكم إضلالا لا تهتدون بعده. يذهب إلى أنه تمثيل وأنهم إن لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبة.
وقال قتادة: معناه من قبل أن نجعل الوجوه أقفاء. أي يذهب بالأنف والشفاه والأعين والحواجب، هذا معناه عند أهل اللغة. وروي عن ابن عباس وعطية العوفي: أن الطمس أن تزال العينان خاصة وترد في القفا، فيكون ذلك ردا على الدبر ويمشي القهقرى. وقال مالك