الثانية - لما تقدم في الآية التي قبل ذكر الانفاق في سبيل الله على العموم بين في هذه الآية أن ذلك الحكم والثواب إنما هو لمن لا يتبع إنفاقه منا ولا أذى، لان (1) المن والأذى مبطلان لثواب الصدقة كما أخبر تعالى في الآية بعد هذا، وإنما على المرء أن يريد وجه الله تعالى وثوابه بإنفاقه على المنفق عليه، ولا يرجو منه شيئا ولا ينظر من أحوال في حال سوى أن يراعى استحقاقه، قال الله تعالى: " لا نريد منكم جزاء ولا شكورا (2) ". ومتى أنفق ليريد من المنفق عليه جزاء بوجه من الوجوه فهذا لم يرد وجه الله، فهذا إذا أخلف ظنه فيه من بإنفاقه وآذى. وكذلك من أنفق مضطرا دافع غرم إما لمانة للمنفق عليه أو لقرينة أخرى من اعتناء معتن فهذا لم يرد وجه الله. وإنما يقبل ما كان عطاؤه لله وأكثر قصده ابتغاء ما عند الله، كالذي حكى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أعرابيا أتاه فقال:
يا عمر الخير جزيت الجنة * اكس بنياتي وأمهنه وكن لنا من الزمان جنه * أقسم بالله لتفعلنه قال عمر: إن لم أفعل يكون ماذا؟ قال:
إذا أبا حفص لأذهبنه قال: إذا ذهبت يكون ماذا؟! قال:
تكون عن حالي لتسألنه * يوم تكون الأعطيات هنه وموقف المسئول بينهنه * إما إلى نار وإما جنه