الثالثة - قوله تعالى: (كمثل حبة) الحبة اسم جنس لكل ما يزدرعه ابن آدم ويقتاته، وأشهر ذلك البر فكثيرا ما يراد بالحب، ومنه قول المتلمس:
آليت حب العراق الدهر أطعمه * والحب يأكله في القرية السوس وحبة القلب: سويداؤه، ويقال ثمرته وهو ذاك. والحبة بكسر الحاء: بذور البقول مما ليس بقوت، وفى حديث الشفاعة: (فينبتون كما تنبت الحبة في حميل (1) السيل) والجمع حبب. والحبة (بضم الحاء (2)) الحب، يقال: نعم وحبة وكرامة. والحب المحبة، وكذلك الحب (بالكسر). والحب أيضا الحبيب، مثل خدن وخدين وسنبلة فنعلة من أسبل الزرع إذا صار فيه السنبل، أي استرسل بالسنبل كما يسترسل الستر بالاسبال. وقيل: معناه صار فيه حب مستور كما يستر الشئ بإسبال الستر عليه. والجمع سنابل. ثم قيل: المراد سنبل الدخن فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد.
قلت: هذا ليس بشئ فإن سنبل الدخن يجئ في السنبلة منه أكثر من هذا العدد بضعفين وأكثر، على ما شاهدناه. قال ابن عطية: وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة، فأما في سائر الحبوب فأكثر ولكن المثال وقع بهذا القدر. وقال الطبري في هذه الآية: إن قوله (في كل سنبلة مائة حبة) معناه إن وجد ذلك، وإلا فعلى أن يفرضه، ثم نقل عن الضحاك أنه قال: " في كل سنبلة مائة حبة " معناه كل سنبلة أنبتت مائة حبة. قال ابن عطية:
فجعل الطبري قول الضحاك نحو ما قال، وذلك غير لازم من قول الضحاك. وقال أبو عمرو الداني: وقرأ بعضهم " مائة " بالنصب على تقدير أنبتت مائة حبة.
قلت: وقال يعقوب الحضرمي: وقرأ بعضهم " في كل سنبلة مائة حبة " على: أنبتت مائة حبة، وكذلك قرأ بعضم " وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم " على " وأعتدنا لهم عذاب السعير (3) " وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي " أنبتت سبع سنابل " بإدغام التاء في السين، لأنهما مهموستان، ألا ترى أنهما يتعاقبان. وأنشد أبو عمرو: