وروى من حديث عمر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا سأل السائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتى يفرغ منها ثم ردوا عليه بوقار ولين أو ببذل يسير أو رد جميل فقد يأتيكم من ليس بإنس ولا جان ينظرون صنيعكم فيما خولكم الله تعالى ".
قلت: دليله حديث أبرص وأقرع وأعمى، خرجه مسلم وغيره. وذلك أن ملكا تصور في صورة أبرص مرة وأقرع أخرى وأعمى أخرى امتحانا للمسئول. وقال بشر بن الحارث:
رأيت عليا في المنام فقلت: يا أمير المؤمنين! قل لي شيئا ينفعني الله به، قال: ما أحسن عطف الأنبياء على الفقراء رغبة في ثواب الله تعالى، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بموعود الله. فقلت: يا أمير المؤمنين زدني، فولى وهو يقول:
قد كنت ميتا فصرت حيا * وعن قليل تصير ميتا * فاخرب بدار الفناء بيتا * وابن بدار البقاء بيتا الثانية - قوله تعالى: (مغفرة) المغفرة هنا: الستر للخلة وسوء حالة المحتاج، ومن هذا قول الأعرابي - وقد سأل قوما بكلام فصيح - فقال له قائل: ممن الرجل؟ فقال له: اللهم غفرا (1)! سوء الاكتساب يمنع من الانتساب. وقيل: المعنى تجاوز عن السائل إذا ألح وأغلظ وجفى خير من التصدق (2) عليه مع المن والأذى، قال معناه النقاش. وقال النحاس: هذا مشكل يبينه الاعراب. " مغفرة " رفع بالابتداء والخبر (خير من صدقة). والمعنى والله أعلم وفعل يؤدى إلى المغفرة خير من صدقة يتبعها أذى، وتقديره في العربية وفعل مغفرة. ويجوز أن يكون مثل قولك: تفضل الله عليك أكبر (3) من الصدقة التي تمن بها، أي غفران الله خير من صدقتكم هذه التي تمنون بها.
الثالثة - قواه تعالى: (والله غنى حليم) أخبر تعالى عن غناه المطلق أنه غنى عن صدقة العباد، وإنما أمر بها ليثيبهم، وعن حلمه بأنه لا يعاجل بالعقوبة من من وأذى بصدقته.