الحادية عشرة - قوله تعالى: (لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) الجملة خبر الابتداء وهو " الذين ". والمعنى من قبورهم، قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير وقتادة والربيع والضحاك والسدي وابن زيد. وقال بعضهم: يجعل معه شيطان يخنقه.
وقالوا كلهم: يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند جميع أهل المحشر. ويقوى هذا التأويل المجمع عليه أن في قراءة ابن مسعود " لا يقومون يوم القيامة إلا كما يقوم ". قال ابن عطية:
وأما ألفاظ الآية فكانت تحتمل تشبيه حال القائم بحرص وجشع إلى تجارة الدنيا (1) بقيام المجنون، لان الطمع والرغبة تستفزه حتى تضطرب أعضاؤه، وهذا كما تقول لمسرع في مشيه يخلط في هيئة حركاته إما من فزع أو غيره: قد جن هذا! وقد شبه الأعشى ناقته في نشاطها بالجنون في قوله:
وتصبح عن غب السرى وكأنما * ألم بها من طائف الجن أولق (1) وقال آخر:
* لعمرك بي من حب أسماء أولق * لكن ما جاءت به قراءة ابن مسعود وتظاهرت به أقوال المفسرين يضعف هذا التأويل.
و " يتخبطه " يتفعله من خبط يخبط، كما تقول: تملكه وتعبده. فجعل الله هذه العلامة لأكلة الربا، وذلك أنه أرباه في بطونهم فأثقلهم، فهم إذا خرجوا من قبورهم يقومون ويسقطون. ويقال: إنهم يبعثون يوم القيامة قد انتفخت بطونهم كالحبالى، وكلما قاموا سقطوا والناس يمشون عليهم. وقال بعض العلماء: إنما ذلك شعار لهم يعرفون به يوم القيامة ثم العذاب من وراء ذلك، كما أن الغال يجئ بما غل يوم القيامة بشهرة يشهر بها ثم العذاب من وراء ذلك. وقال تعالى: " يأكلون " والمراد يكسبون الربا ويفعلونه. وإنما خص الاكل بالذكر لأنه أقوى مقاصد الانسان في المال، ولأنه دال على الجشع وهو أشد الحرص، يقال: رجل جشع بين الجشع وقوم جشعون، قاله في المجمل. فأقيم هذا البعض من توابع الكسب مقام الكسب كله، فاللباس والسكنى والادخار والانفاق على العيال، داخل في قوله:
" الذين يأكلون ".