فيمن باع ثوبا بنسيئة وهو لا نية له في شرائه ثم يجده في السوق يباع: إنه لا يجوز له ابتياعه منه بدون ما باعه به وإن لم يقصد إلى ذلك ولم يبتغه، ومثله كثير، ولو لم يكن الربا إلا على من قصده ما حرم إلا على الفقهاء. وقد قال عمر: لا يتجر في سوقنا إلا من فقه وإلا أكل الربا. وهذا بين لمن رزق الانصاف وألهم رشده.
قلت: وقد بالغ مالك رحمه الله في منع الزيادة حتى جعل المتوهم كالمتحقق، فمنع دينارا ودرهما بدينار ودرهم سدا للذريعة وحسما للتوهمات، إذ لولا توهم الزيادة لما تبادلا. وقد علل منع ذلك بتعذر المماثلة عند التوزيع، فإنه يلزم منه ذهب وفضة بذهب. وأوضح من هذا منعه التفاضل المعنوي، وذلك أنه منع دينارا من الذهب العالي ودينارا من الذهب الدون في مقابلة العالي وألغى الدون، وهذا من دقيق نظره رحمه الله، فدل أن تلك الرواية عنه منكرة ولا تصح. والله أعلم.
السابعة - قال الخطابي: التبر قطع الذهب والفضة قبل أن تضرب وتطبع دراهم أو دنانير، واحدتها تبرة. والعين: المضروب من الدراهم أو الدنانير. وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع مثقال ذهب عين بمثقال وشئ من تبر غير مضروب. وكذلك حرم التفاوت بين المضروب من الفضة وغير المضروب منها، وذلك معنى قوله: " تبرها وعينها سواء ".
الثامنة - أجمع العلماء على أن التمر بالتمر ولا يجوز إلا مثلا بمثل. واختلفوا في بيع التمرة الواحدة بالتمرتين، والحبة الواحدة من القمح بحبتين، فمنعه الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري، وهو قياس قول مالك وهو الصحيح، لان ما جرى الربا فيه بالتفاضل في كثيره دخل قليله في ذلك قياسا ونظرا. احتج من أجاز ذلك بأن مستهلك التمرة والتمرتين لا تجب عليه القيمة، قال: لأنه لا مكيل ولا موزون فجاز فيه التفاضل.
التاسعة - اعلم رحمك الله أن مسائل هذا الباب كثيرة وفروعه منتشرة، والذي يربط لك ذلك أن تنظر إلى ما اعتبره كل واحد من العلماء في علة الربا، فقال أبو حنيفة: