قلت: ما اخترناه أولى إن شاء الله تعالى، فإن الله تعالى لما أخبر أنه فضل بعضهم على بعض جعل يبين بعض المتفاضلين ويذكر الأحوال التي فضلوا بها فقال: " منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى بن مريم البينات " وقال " وآتينا داود زبورا (1) " وقال تعالى:
" وآتيناه الإنجيل (2) "، " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين (3) " وقال تعالى: " ولقد آتينا داود وسليمان علما (4) " وقال: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح (5) " فعم ثم خص وبدأ بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ظاهر.
قلت: وهكذا القول في الصحابة إن شاء الله تعالى، اشتركوا في الصحبة ثم تباينوا في الفضائل بما منحهم الله من المواهب والوسائل، فهم متفاضلون بتلك مع أن الكل شملتهم الصحبة والعدالة والثناء عليهم، وحسبك بقوله الحق: " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار (6) " إلى آخر السورة. وقال: " وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها (6) " ثم قال: " لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل (2) " وقال: " لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة (6) " فعم وخص، ونفى عنهم الشين والنقص، رضي الله عنهم أجمعين ونفعنا بحبهم آمين.
قوله تعالى: (منهم من كلم الله) المكلم موسى عليه السلام، وقد سئل رسوله الله صلى الله عليه وسلم عن آدم أنبى مرسل هو؟ فقال: " نعم نبي مكلم ". قال ابن عطية: وقد تأول بعض الناس أن تكليم آدم كان في الجنة، فعلى هذا تبقى خاصية موسى. وحذفت الهاء لطول الاسم، والمعنى من كلمه الله.
قوله تعالى: (ورفع بعضهم درجات) قال النحاس: بعضهم هنا على قول ابن عباس والشعبي ومجاهد محمد صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: " بعثت إلى الأحمر والأسود وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب (7) مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم وأعطيت