تفسير القرطبي - القرطبي - ج ٣ - الصفحة ٢٦٦
قال الحسن: هي الزكاة المفروضة. وقال ابن جريج وسعيد بن جبير: هذه الآية تجمع الزكاة المفروضة والتطوع. قال ابن عطية. وهذا صحيح، ولكن ما تقدم من الآيات في ذكر القتال وأن الله يدفع بالمؤمنين في صدور الكافرين يترجح منه أن هذا الندب إنما هو في سبيل الله، ويقوى ذلك في آخر الآية قوله: " والكافرون هم الظالمون " أي فكافحوهم بالقتال بالأنفس وإنفاق الأموال.
قلت: وعلى هذا التأويل يكون إنفاق الأموال مرة واجبا ومرة ندبا بحسب تعين الجهاد وعدم تعينه. وأمر تعالى عباده بالانفاق مما رزقهم الله وأنعم به عليهم، وحذرهم من الامساك إلى أن يجئ يوم لا يمكن فيه بيع ولا شراء ولا استدراك نفقة، كما قال: " فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق (1) ". والخلة: خالص المودة، مأخوذة من تخلل الاسرار بين الصديقين. والخلالة والخلالة والخلالة: الصداقة والمودة، قال الشاعر (2):
وكيف تواصل من أصبحت * خلالته كأبي مرحب وأبو مرحب كنية الظل، ويقال: هو كنية عرقوب الذي قيل فيه: مواعيد عرقوب.
والخلة (بالضم أيضا): ما خلا من النبت، يقال: الخلة خبز الإبل والحمض فاكهتها.
والخلة (بالفتح): الحاجة والفقر. والخلة: ابن مخاض، عن الأصمعي. يقال: أتاهم بقرص كأنه فرسن (3) خلة. والأنثى خلة أيضا. ويقال للميت: اللهم أصلح خلته، أي الثلمة التي ترك. والخلة: الخمرة الحامضة. والخلة (بالكسر): واحدة خلل السيوف، وهي بطائن كانت تغشى بها أجفان السيوف منقوشة بالذهب وغيره، وهي أيضا سيور تلبس ظهر سيتي (4) القوس. والخلة أيضا: ما يبقى بين الأسنان. وسيأتي في " النساء (5) " اشتقاق الخليل ومعناه.
فأخبر الله تعالى ألا خلة في الآخرة ولا شفاعة إلا بإذن الله. وحقيقتها رحمة منه تعالى شرف بها الذي أذن له في أن يشفع. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو " لا بيع فيه ولا خلة

(1) راجع ج 18 ص 130.
(2) هو النابغة الجعدي، كما في اللسان.
(3) الفرسن (بكسر الفاء والسين وسكون الراء): عظم قليل اللحم، وهو خف البعير، كالحافر للدابة.
(4) سية القوس: ما عطف من طرفيها.
(5) راجع ج 5 ص 399
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»
الفهرست