قوله تعالى: (مما يشاء) أي مما شاء، وقد يوضع المستقبل موضع الماضي، وقد تقدم.
قوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) فيه مسألتان (1):
الأولى - قوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) كذا قراءة الجماعة، إلا نافعا فإنه قرأ " دفاع " ويجوز أن يكون مصدرا لفعل كما يقال: حسبت الشئ حسابا، وآب إيابا، ولقيته لقاء، ومثله كتبه كتابا، ومنه " كتاب الله عليكم (2) ". النحاس: وهذا حسن، فيكون دفاع ودفع مصدرين لدفع وهو مذهب سيبويه. وقال أبو حاتم: دافع ودفع بمعنى واحد، مثل طرقت النعل وطارقت، أي خصفت إحداهما فوق الأخرى، والخصف:
الخرز. واختار أبو عبيدة قراءة الجمهور " ولولا دفع الله ". وأنكر أن يقرأ " دفاع " وقال:
لان الله عز وجل لا يغالبه أحد. قال مكي: هذا وهم توهم فيه باب المفاعلة وليس به، واسم " الله " في موضع رفع بالفعل، أي لولا أن يدفع الله. و " دفاع " مرفوع بالابتداء عند سيبويه. " الناس " مفعول، " بعضهم " بدل من الناس، " ببعض " في موضع المفعول الثاني عند سيبويه، وهو عنده مثل قولك: ذهبت بزيد، فزيد في موضع مفعول فاعلمه.
الثانية - واختلف العلماء في الناس المدفوع بهم الفساد من هم؟ فقيل: هم الابدال وهم أربعون رجلا كلما مات واحد بدل الله آخر، فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم، اثنان وعشرون منهم بالشام وثمانية عشر بالعراق. وروى عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الابدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء ويصرف بهم عن أهل الأرض البلاء " ذكره الترمذي الحكيم في " نوادر الأصول ". وخرج أيضا عن أبي الدرداء قال: إن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض، فلما انقطعت النبوة أبدل الله مكانهم قوما من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يقال لهم الابدال، لم يفضلوا الناس بكثرة صوم ولا صلاة ولكن بحسن الخلق وصدق الورع وحسن النية وسلامة القلوب لجميع المسلمين والنصيحة لهم ابتغاء مرضاة الله بصبر وحلم ولب