ورفع بعضهم درجات، قال الله تعالى: " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا (1) " وقال: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ".
قلت: وهذا قول حسن، فإنه جمع بين الآي والأحاديث من غير نسخ، والقول بتفضيل بعضهم على بعض إنما هو بما منح من الفضائل وأعطى من الوسائل، وقد أشار ابن عباس إلى هذا فقال: إن الله فضل محمدا على الأنبياء وعلى أهل السماء، فقالوا: بم يا بن عباس فضله على أهل السماء؟ فقال: إن الله تعالى قال: " ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين (2) ". وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: " إنا فتحنا لك فتحا مبينا.
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (3) ". قالوا: فما فضله على الأنبياء؟ قال قال الله تعالى:
" وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم (4) " وقال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: " وما أرسلناك إلا كافة للناس (5) " فأرسله إلى الجن والإنس " ذكره أبو محمد الدارمي في مسنده. وقال أبو هريرة: خير بني آدم نوج وإبراهيم وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وهم أولو العزم من الرسل، وهذا نص من ابن عباس وأبي هريرة في التعيين، ومعلوم أن من أرسل أفضل ممن لم يرسل، فإن من أرسل فضل على غيره بالرسالة واستووا في النبوة إلى ما يلقاه الرسل من تكذيب أممهم وقتلهم إياهم، وهذا مما لا خفاء فيه، إلا أن ابن عطية أبا محمد عبد الحق قال: إن القرآن يقتضى التفضيل، وذلك في الجملة دون تعيين أحد مفضول، وكذلك هي الأحاديث، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا أكرم ولد آدم على ربى " وقال: " أنا سيد ولد آدم " ولم يعين، وقال عليه السلام: " لا ينبغي لاحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى " وقال: " لا تفضلوني على موسى ". وقال ابن عطية: وفى هذا نهى شديد عن تعيين المفضول، لان يونس عليه السلام كان شابا وتفسخ (6) تحت أعباء النبوة. فإذا كان التوقيف لمحمد صلى الله عليه وسلم فغيره أحرى.