ثم جاء يمشى حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعياله، فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: أخرجي، قد أقرضت ربي عز وجل حائطا فيه ستمائة نخلة. وقال زيد بن أسلم:
لما نزل: " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " قال أبو الدحداح: فداك أبي وأمي يا رسول الله! إن الله يستقرضنا وهو غنى عن القرض؟ قال: " نعم يريد أن يدخلكم الجنة به ". قال: فإني إن أقرضت ربى قرضا يضمن لي به ولصبيتي الدحداحة معي الجنة؟
قال: " نعم " قال: فناولني يدك، فناوله رسوله الله صلى الله عليه وسلم يده. فقال: إن لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية، والله لا أملك غيرهما، قد جعلتهما قرضا لله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اجعل إحداهما لله والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك " قال: فأشهدك يا رسول الله أنى قد جعلت خيرهما لله تعالى، وهو حائط فيه ستمائة نخلة. قال: " إذا يجزيك الله به الجنة ". فأنطلق أبو الدحداح حتى جاء أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول:
هداك ربى سبل الرشاد * إلى سبيل الخير والسداد بيني من الحائط بالوداد * فقد مضى قرضا إلى التناد أقرضته الله على اعتمادي * بالطوع لا من ولا ارتداد (1) إلا رجاء الضعف في المعاد * فارتحلي بالنفس والأولاد والبر لا شك فخير زاد * قدمه المرء إلى المعاد قالت أم الدحداح: ربح بيعك! بارك الله لك فيما اشتريت، ثم أجابته أم الدحداح وأنشأت تقول:
بشرك الله بخير وفرح * مثلك أدى ما لديه ونصح قد متع الله عيالي ومنح * بالعجوة السوداء والزهو البلح والعبد يسعى وله ما قد كدح * طول الليالي وعليه ما اجترح