فإنه يجوز له فيما بينه وبين الله تعالى، وأما فيما بيننا فإن شاهدناه فلا تخفى علينا بقرائن الحال صورة الغصة من غيرها، فيصدق إذا ظهر ذلك، وإن لم يظهر حددناه ظاهرا وسلم من العقوبة عند الله تعالى باطنا. ثم إذا وجد المضطر ميتة وخنزيرا ولحم ابن آدم أكل الميتة، لأنها حلال في حال. والخنزير وابن آدم لا يحل بحال. والتحريم المخفف أولى أن يقتحم من التحريم المثقل، كما لو أكره أن يطأ أخته أو أجنبية، وطئ الأجنبية لأنها تحل له بحال. وهذا هو الضابط لهذه الأحكام. ولا يأكل ابن آدم ولو مات، قاله علماؤنا، وبه قال أحمد وداود.
احتج أحمد بقوله عليه السلام: (كسر عظم الميت ككسره حيا). وقال الشافعي: يأكل لحم ابن آدم. ولا يجوز له أن يقتل ذميا لأنه محترم الدم، ولا مسلما ولا أسيرا لأنه مال الغير.
فإن كان حربيا أو زانيا محصنا جاز قتله والاكل منه. وشنع داود على المزني بأن قال: قد أبحت أكل لحوم الأنبياء! فغلب عليه ابن شريح بأن قال: فأنت قد تعرضت لقتل الأنبياء إذ منعتهم من أكل الكافر. قال ابن العربي: الصحيح عندي ألا يأكل الادمي إلا إذا تحقق أن ذلك ينجيه ويحييه، والله أعلم.
السابعة والعشرون - سئل مالك عن المضطر إلى أكل الميتة وهو يجد مال الغير تمرا أو زرعا أو غنما، فقال: إن أمن الضرر على بدنه بحيث لا يعد سارقا ويصدق في قوله، أكل من أي ذلك وجد ما يرد جوعه ولا يحمل منه شيئا، وذلك أحب إلى من أن يأكل الميتة، وقد تقدم هذا المعنى مستوفى. وإن هو خشى ألا يصدقوه وأن يعدوه سارقا فإن أكل الميتة أجوز عندي، وله في أكل الميتة على هذه المنزلة سعة.
الثامنة والعشرون - روى أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة أن رجلا نزل الحرة (1) ومعه أهله وولده، فقال رجل: إن ناقة لي ضلت فإن وجدتها فأمسكها، فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت، فقالت امرأته:
أنحرها، فأبى فنفقت. فقالت: اسلخها حتى نقدد لحمها وشحمها ونأكله، فقال: حتى أسأل