لهم على ساحله كهيئة الكثيب الضخم، فلما أتوه إذا هي دابة تدعى العنبر، فقال أبو عبيدة أميرهم: ميتة. ثم قال: لا، بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، وقد اضطررتم فكلوا. قال: فأقمنا عليها شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا، الحديث. فأكلوا وشبعوا - رضوان الله عليهم - مما اعتقدوا أنه ميتة وتزودوا منها إلى المدينة، وذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنه حلال وقال: (هل معكم من لحمه شئ فتطعمونا) فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله. وقالت طائفة. يأكل بقدر سد الرمق. وبه قال ابن الماجشون وابن حبيب وفرق أصحاب الشافعي بين حالة المقيم والمسافر فقالوا: المقيم يأكل بقدر ما يسد رمقه، والمسافر يتضلع ويتزود: فإذا وجد غنى عنها طرحها، وإن وجد مضطرا أعطاه إياها ولا يأخذ منه عوضا، فإن الميتة لا يجوز بيعها.
الرابعة والعشرون - فإن اضطر إلى خمر فإن كان بإكراه شرب بلا خلاف، وإن كان بجوع أو عطش فلا يشرب، وبه قال مالك في العتبية قال: ولا يزيده الخمر إلا عطشا.
وهو قول الشافعي، فإن الله تعالى حرم الخمر تحريما مطلقا، وحرم الميتة بشرط عدم الضرورة.
وقال الأبهري: إن ردت الخمر عنه جوعا أو عطشا شربها، لان الله تعالى قال في الخنزير " فإنه رجس " ثم أباحه للضرورة. وقال تعالى في الخمر إنها " رجس " فتدخل في إباحة الخنزير للضرورة بالمعنى الجلي الذي هو أقوى من القياس، ولا بد أن تروي ولو ساعة، وترد الجوع ولو مدة.
الخامسة والعشرون - روى أصبغ عن ابن القاسم أنه قال: يشرب المضطر الدم ولا يشرب الخمر، ويأكل الميتة ولا يقرب ضوال الإبل - وقاله ابن وهب - ويشرب البول ولا يشرب الخمر، لان الخمر يلزم فيها الحد فهي أغلظ. نص عليه أصحاب الشافعي.
السادسة والعشرون - فإن غص بلقمة فهل يسيغها بخمر أو لا، فقيل. لا، مخافة أن يدعي ذلك. وأجاز ذلك ابن حبيب، لأنها حالة ضرورة. ابن العربي: " أما الغاص بلقمة