الثانية عشرة - قوله تعالى: " والأقربين " الأقربون جمع أقرب. قال قوم:
الوصية للأقربين أولى من الأجانب، لنص الله تعالى عليهم، حتى قال الضحاك: إن أوصى لغير قرابته فقد ختم عمله بمعصية. وروي عن ابن عمر (1) أنه أوصى لأمهات أولاده لكل واحدة بأربعة آلاف. وروي أن عائشة وصت لمولاة لها بأثاث البيت. وروي عن سالم ابن عبد الله بمثل ذلك. وقال الحسن: إن أوصى لغير الأقربين ردت الوصية للأقربين، فإن كانت لأجنبي فمعهم، ولا تجوز لغيرهم مع تركهم. وقال الناس حين مات أبو العالية:
عجبا له! أعتقته امرأة من رياح (2) وأوصى بماله لبني هاشم. وقال الشعبي: لم يكن له ذلك ولا كرامة. وقال طاوس: إذا أوص لغير قرابته ردت الوصية إلى قرابته ونقض فعله، وقاله جابر بن زيد، وقد روي مثل هذا عن الحسن أيضا، وبه قال إسحاق بن راهويه. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والأوزاعي وأحمد بن حنبل: من أوصى لغير قرابته وترك قرابته محتاجين فبئسما صنع! وفعله مع ذلك جائز ماض لكل من أوصى له من غني وفقير، قريب وبعيد، مسلم وكافر. وهو معنى ما روي عن ابن عمر وعائشة، وهو قول ابن عمر وابن عباس.
قلت: القول الأول أحسن، وأما أبو العالية رضي الله عنه فلعله نظر إلى أن بني هاشم أولى من معتقته لصحبته ابن عباس وتعليمه إياه وإلحاقه بدرجة العلماء في الدنيا والأخرى.
وهذه الأبوة وإن كانت معنوية فهي الحقيقية، ومعتقته غايتها أن ألحقته بالاحرار في الدنيا، فحسبها ثواب عتقها، والله أعلم.
الثالثة عشرة - ذهب الجمهور من العلماء إلى أن المريض يحجر عليه في ماله، وشذ أهل الظاهر فقالوا: لا يحجر عليه وهو كالصحيح، والحديث والمعنى يرد عليهم. قال سعد: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت (3) منه على الموت فقلت يا رسول الله، بلغ بي ما ترى من الوجع، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا بنت واحدة،