وأبي هريرة وابن عمر. قال ابن عمر: من صام في السفر قضى في الحضر. وعن عبد الرحمن ابن عوف: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر. وقال به قوم من أهل الظاهر، واحتجوا بقوله تعالى: " فعدة من أيام أخر " على ما يأتي بيانه، وبما روى كعب بن عاصم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس من البر الصيام في السفر). وفيه أيضا حجة على من يقول:
إن من بيت الصوم في السفر فله أن يفطر وإن لم يكن له عذر، وإليه ذهب مطرف، وهو أحد قولي الشافعي وعليه جماعة من أهل الحديث. وكان مالك يوجب عليه القضاء والكفارة لأنه كان مخيرا في الصوم والفطر، فلما اختار الصوم وبيته لزمه ولم يكن له الفطر، فإن أفطر عامدا من غير عذر كان عليه القضاء والكفارة. وقد روي عنه أنه لا كفارة عليه، وهو قول أكثر أصحابه إلا عبد الملك فإنه قال: إن أفطر بجماع كفر، لأنه لا يقوى بذلك على سفره ولا عذر له، لان المسافر إنما أبيح له الفطر ليقوى بذلك على سفره. وقال سائر الفقهاء بالعراق والحجاز: إنه لا كفارة عليه، منهم الثوري والأوزاعي والشافعي وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفة، قال أبو عمر.
الرابعة - واختلف العلماء في الأفضل من الفطر أو الصوم في السفر، فقال مالك والشافعي في بعض ما روي عنهما: الصوم أفضل لمن قوي عليه. وجل مذهب مالك التخيير وكذلك مذهب الشافعي. قال الشافعي ومن اتبعه: هو مخير، ولم يفصل، وكذلك ابن علية، لحديث أنس قال: سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم، خرجه مالك والبخاري ومسلم. وروي عن عثمان بن أبي العاص الثقفي وأنس بن مالك صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما قالا: الصوم في السفر أفضل لمن قدر عليه، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. وروي عن ابن عمرو ابن عباس: الرخصة أفضل، وقال به سعيد بن المسيب والشعبي وعمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والأوزاعي وأحمد وإسحاق. كل هؤلاء يقولون الفطر أفضل، لقول الله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " [البقرة: 185].