أخذوا بالوثيقة (1) فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، قرنا بعد قرن، حتى بلغ صومهم خمسين يوما، فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى الفصل الشمسي. قال النقاش: وفي ذلك حديث عن دغفل بن حنظلة والحسن البصري والسدي.
قلت: ولهذا - والله أعلم - كره الان صوم يوم الشك والستة من شوال بإثر يوم الفطر متصلا به. قال الشعبي: لو صمت السنة كلها لأفطرت يوم الشك، وذلك أن النصارى فرض عليهم صوم شهر رمضان كما فرض علينا، فحولوه إلى الفصل الشمسي، لأنه قد كان يوافق القيظ فعدوا ثلاثين يوما، ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالوثيقة لأنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، ثم لم يزل الاخر يستن بسنة من كان قبله حتى صاروا إلى خمسين يوما فذلك قوله تعالى: " كما كتب على الذين من قبلكم ". وقيل: التشبيه راجع إلى أصل وجوبه على من تقدم، لا في الوقت والكيفية. وقيل: التشبيه واقع على صفة الصوم الذي كان عليهم من منعهم من الأكل والشرب والنكاح، فإذا حان الافطار فلا يفعل هذه الأشياء من نام. وكذلك كان في النصارى أولا وكان في أول الاسلام، ثم نسخه الله تعالى بقوله:
" أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم " [البقرة: 187] على ما يأتي بيانه (2)، قاله السدي وأبو العالية والربيع. وقال معاذ بن جبل وعطاء: التشبيه واقع على الصوم لا على الصفة ولا على العدة وإن اختلف الصيامان بالزيادة والنقصان. المعنى: " كتب عليكم الصيام " أي في أول الاسلام ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء، " كما كتب على الذين من قبلكم " وهم اليهود - في قول ابن عباس - ثلاثة أيام ويوم عاشوراء. ثم نسخ هذا في هذه الأمة بشهر رمضان. وقال معاذ بن جبل: نسخ ذلك " بأيام معدودات " ثم نسخت الأيام برمضان.
الخامسة - قوله تعالى: " لعلكم تتقون " " لعل " ترج في حقهم، كما تقدم (3).
و " تتقون " قيل: معناه هنا تضعفون، فإنه كلما قل الاكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت