لقوم، فواجب عليه أن يكتب وصيته ويخبر بما عليه. فأما من لا دين عليه ولا وديعة عنده فليست بواجبة عليه إلا أن يشاء. قال ابن المنذر: وهذا حسن، لان الله فرض أداء الأمانات إلى أهلها، ومن لا حق عليه ولا أمانة قبله فليس واجب عليه أن يوصي.
احتج الأولون بما رواه الأئمة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم له شئ يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده) وفي رواية (يبيت ثلاث ليال) وفيها قال عبد الله بن عمر: ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي. احتج من لم يوجبها بأن قال: لو كانت واجبة لم يجعلها إلى إرادة الموصي، ولكان ذلك لازما على كل حال، ثم لو سلم أن ظاهره الوجوب فالقول بالموجب يرده، وذلك فيمن كانت عليه حقوق للناس يخاف ضياعها عليهم، كما قال أبو ثور. وكذلك إن كانت له حقوق عند الناس يخاف تلفها على الورثة، فهذا يجب عليه الوصية ولا يختلف فيه.
فإن قيل: فقد قال الله تعالى: " كتب عليكم " وكتب بمعنى فرض، فدل على وجوب الوصية. قيل لهم: قد تقدم الجواب عنه في الآية قبل، والمعنى: إذا أردتم الوصية، والله أعلم. وقال النخعي: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص، وقد أوصى أبو بكر، فإن أوصى فحسن، وإن لم يوص فلا شئ عليه.
السادسة - لم يبين الله تعالى في كتابه مقدار ما يوصى به من المال، وإنما قال:
" إن ترك خيرا " والخير المال، كقوله: " وما تنفقوا من (1) خير " [البقرة: 272]، " وإنه لحب الخير (2) " [العاديات: 8] فاختلف العلماء في مقدار ذلك، فروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه أوصى بالخمس.
وقال علي رضي الله عنه من غنائم المسلمين بالخمس. وقال معمر عن قتادة. أوصى عمر بالربع.
وذكره البخاري عن ابن عباس. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: (لان أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع، ولإن أوصي بالربع أحسن إلي من أوصي بالثلث).
واختار جماعة لمن ماله قليل وله ورثة ترك الوصية، روي ذلك عن علي وابن عباس وعائشة رضوان الله عليهم أجمعين. روى ابن أبي شيبة من حديث ابن أبي مليكة عن