البعد، فليس للناعق من ذلك إلا النداء الذي يتعبه وينصبه. ففي هذه التأويلات الثلاثة يشبه الكفار بالناعق الصائح، والأصنام بالمنعوق به. والنعيق: زجر الغنم والصياح بها، يقال: نعق الراعي بغنمه ينعق نعيقا ونعاقا ونعاقا، أي صاح بها وزجرها. قال الأخطل:
انعق بضأنك يا جرير فإنما * منتك نفسك في الخلاء ضلالا قال القتبي: لم يكن جرير راعى ضأن، وإنما أراد أن بني كليب يعيرون برعى الضأن، وجرير منهم، فهو في جهلهم. والعرب تضرب المثل براعي الغنم في الجهل ويقولون:
" أجهل من راعى ضأن ". قال القتبي: ومن ذهب إلى هذا في معنى الآية كان مذهبا، غير أنه لم يذهب إليه أحد من العلماء فيما نعلم.
والنداء للبعيد، والدعاء للقريب، ولذلك قيل للاذان بالصلاة نداء لأنه للأباعد. وقد تضم النون في النداء والأصل الكسر. ثم شبه تعالى الكافرين بأنهم صم بكم عمى. وقد تقدم في أول (1) السورة.
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا من طيبت ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون (172).
هذا تأكيد للامر الأول، وخص المؤمنين هنا بالذكر تفضيلا. والمراد بالاكل الانتفاع من جميع الوجوه. وقيل: هو الاكل المعتاد. وفى صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم " وقال: " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم " ثم ذكر (2) الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام [ومشربه حرام] وملبسه حرام [وغذي بالحرام (3)] فأنى يستجاب لذلك). " واشكروا لله إن كنتم " إياه تعبدون " تقدم معنى الشكر (4) فلا معنى للإعادة.