وأيضا فهو تعالى قادر على تعذيب الكفار بلا خلاف وهو حسن، فإذا أسلم الكافر قبح عقابه ولم يخرج إسلامه إياه تعالى عن كونه قادرا، فبان بذلك أنه قادر على القبيح.
فإذا ثبت ذلك فالذي يدل على أنه لا يفعله علمه بقبح القبائح وعلمه بأنه غني عنه، والعالم بقبح القبيح وبأنه غني عنه لا يجوز أن يختاره. ألا ترى أن من خير بين الصدق والكذب في باب الوصول إلى غرضه وهو عالم بقبح الكذب وحسن الصدق لا يجوز أن يختار الكذب على الصدق مع تساويهما في الغرض، ولا علة لذلك إلا كونه عالما بقبح الكذب وبأنه غني عنه بالصدق فيجب أن يكون تعالى لا يفعل القبيح لثبوت الأمرين.
على أنه لو جازت عليه الحاجة لما جاز أن يفعل القبيح، لأنه يقدر من جنسه من الحسن على ما لا يتناهى. ألا ترى أن المخير بين الصدق والكذب مع تساوي الغرض قد بينا أنه لا يختار الكذب مع جواز الحاجة إليه، لأنه يستغني عنه بالحسن الذي هو الصدق. وكذلك القديم لا قبيح إلا وهو يقدر من جنسه من الحسن على ما لا يتناهى، فلا يجوز أن يختاره مع علمه بقبحه.
والقديم تعالى لا يريد القبائح على وجه، لأنه لا يخلو أن يريده لنفسه أو بإرادة قديمة أو محدثة، وقد بينا أنه ليس بمريد لنفسه ولا بإرادة قديمة فبطل ذلك. ولو أراده بإرادة محدثة لكان هو الفاعل لها، لأنه لا يقدر أن يفعل إرادة لا في محل سواه. ولو كان هو الفاعل لها لكان فاعلا للقبيح، لأن إرادة القبيح قبيحة، بدلالة أن من علمها إرادة القبيح علم قبحها ومن لم يعلمها كذلك لم يعلم قبحها، وذلك يؤدي إلى أن يكون فاعلا للقبيح، وقد دللنا على أنه لا يجوز أن يكون فاعلا للقبيح على حال.
وأيضا فقد ثبت بلا خلاف أنه ناه عن القبيح، وقد بينا أن النهي لا يكون