والثاني: أنها لام التعجب، كأن المعنى: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت، قاله الأعمش، والكسائي.
والثالث: أن معناها متصل بما بعدها. المعنى: فليعبد هؤلاء رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف، لأنهم كانوا في الرحلتين آمنين، وإذا عرض لهم عارض قالوا: نحن أهل حرم الله فلا يتعرض لهم، قال الزجاج: وهذا الوجه قول النحويين الذين ترتضي أقوالهم. وقال ابن قتيبة:
بعض الناس يذهب إلى أن هذه السورة وسورة الفيل واحدة، وأكثر الناس على أنهما سورتان، وإن كانتا متصلتي الألفاظ. والمعنى: أن قريش كانت بالحرم آمنة من الأعداء. والحرم واد جديب لا زرع فيه ولا شجر، وإنما كانت قريش تعيش فيه بالتجارة وكانت لهم رحلتان في كل سنة، رحلة في الشتاء، ورحلة في الصيف إلى الشام. ولولا هاتان الرحلتان لم يكن به مقام. ولولا أنهم بمجاورة البيت لم يقدروا على التصرف، فلما قصد أصحاب الفيل هدم الكعبة أهلكهم الله لتقيم قريش بالحرم، فذكرهم الله نعمته بالسورتين. والمعنى: أنه أهلك أولئك ليؤلف قريشا هاتين الرحلتين اللتي بها معاشهم، ومقامهم بمكة. تقول: ألفت موضع كذا: إذا لزمته، وألفنيه الله، كما تقول:
لزمت موضع كذا وكذا، وألزمنيه الله، وكرر " لايلاف " للتوكيد، كما تقول: أعطيتك المال لصيانة وجهك صيانة عن كل الناس. وقال الزجاج: يقال: ألفت المكان ألفا، وآلفته إيلافا بمعنى واحد.
وأما قريش فهم ولد من ولد فهر بن مالك بن النضر، فمن لم يلده فهو فليس بقرشي.
[وقيل هم من ولد فهر ابن مالك بن النضر فمن لم يلده فهو فليس بقرشي]. وإنما سموا قريشا لتجارتهم وجمعهم المال. والتقريش: الكسب. يقال: هو يقرش لعياله، ويقترش، أي:
يكتسب. وقد سأل معاوية ابن عباس لم سميت قريش قريشا؟ فقال ابن عباس: بدابة تكون في البحر يقال لها: القريش لا تمر بشئ من الغث والسمين إلا أكلته. وأنشد: