" فسواك فعدلك ". قوله: (فألهمها فجورها وتقواها) الإلهام: إيقاع الشئ في النفس. قال سعيد بن جبير: ألزمها فجورها وتقواها، وقال ابن زيد: جعل ذلك فيها بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور.
قوله [عز وجل]: (قد أفلح من زكاها) قال الزجاج: هذا جواب القسم. والمعنى: لقد أفلح، ولكن اللام حذفت لأن الكلام طال، فصار طوله عوضا منها. قال ابن الأنباري: جوابه محذوف. وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: قد أفلحت نفس زكاها الله عز وجل، قاله ابن عباس، ومقاتل، والفراء، والزجاج.
والثاني: قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال، قاله قتادة، وابن قتيبة. ومعنى " زكاها ": أصلحها وطهرها من الذنوب. قوله (وقد خاب من دساها) فيه قولان كالذي قبله.
فإن قلنا: إن الفعل لله، " دساها ": خذلها، وأخملها، وأخفى محلها، ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح.
وإن قلنا: الفعل للإنسان، فمعنى " دساها ": أخفاها بالفجور. قال الفراء: ويروى أن " دساها " دسسها لأن البخيل يخفي منزله وماله. وقال ابن قتيبة: المعنى: دسى نفسه، أي: أخفاها بالفجور والمعصية. والأصل من دسست، فقلبت السين ياء، كما قالوا: قص قصيت أظفاري، أي قصصتها.
فكأن النطف بارتكاب الفواحش دس نفسه، وقمعها، ومصطنع المعروف شهر نفسه ورفعها، وكانت أجواد العرب تنزل الربا للشهرة، واللئام تنزل الأطراف لتخفي أماكنها، وقال الزجاج: معنى " دساها " جعلها قليلة خسيسة.