دونه ملتحدا) وقد بيناه في الكهف قوله (إلا بلاغا من الله) فيه وجهان، ذكرهما الفراء.
أحدهما: أنه استثناء من قوله [عز وجل]: (لا أملك لكم ضرا ولا رشدا إلا أن أبلغكم).
والثاني: لن يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالته. وبالأول قال ابن السائب. وبالثاني قال مقاتل. وقال بعضهم: المعنى: لن يجيرني من عذاب الله إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت به، فذلك البلاغ هو الذي يجيرني (ومن يعص الله ورسوله) بترك الإيمان والتوحيد.
قوله [عز وجل]: (حتى إذا رأوا) يعني: الكفار (ما يوعدون) من العذاب في الدنيا، وهو القتل، وفي الآخرة (فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا) أي: جندا ونصيرا، أم أهم المؤمنون؟ (قل إن أدري) أي: ما أدري (أقريب ما توعدون) من العذاب (أم يجعل له ربي أمدا) أي: غاية وبعدا. وذلك لأن علم الغيب لله وحده (فلا يظهر) أي: فلا يطلع على غيبه الذي يعلمه أحدا من الناس (إلا من ارتضى من رسول) لأن من الدليل على صدق الرسل إخبارهم بالغيب. والمعنى: أن من ارتضاه للرسالة أطلعه على ما شاء من غيبه. وفي هذا دليل على أن من زعم أن النجوم تدله على الغيب فهو كافر. ثم ذكر أنه يحفظ ذلك الذي يطلع عليه الرسول فقال [عز وجل]: (فإنه يسلك من بين يديه) أي: من بين يدي الرسول (ومن خلفه رصدا) أي: يجعل له حفظة من الملائكة يحفظون الوحي من أن يسترقه الشياطين، فتلقيه إلى الكهنة، فيتكلمون به قبل أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم الناس. وقال الزجاج يسلك من بين يدي الوحي. والرصد من الملائكة يدفعون الشياطين عن أن تستمع ما نزل من الوحي.
قوله [عز وجل]: (ليعلم) فيه خمسة أقوال.
أحدها: ليعلم محمد [صلى الله عليه وسلم] أن جبرائيل قد بلغ إلي، قاله ابن جبير والثاني: ليعلم محمد [صلى الله عليه وسلم] أن الرسل قبله (قد أبلغوا رسالات ربهم) وأن الله قد حفظها فدفع عنها، قاله قتادة.
والثالث: ليعلم مكذبو الرسل أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم، قاله مجاهد.
والرابع: ليعلم الله عز وجل ذلك موجودا ظاهرا يجب به الثواب، فهو كقوله [عز وجل]:
(ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) قاله ابن قتيبة.
والخامس: ليعلم النبي أن الرسل قد أتته، ولم تصل إلى غيره، ذكره الزجاج. وقرأ رويس عن يعقوب " ليعلم " بضم الياء على ما لم يسم فاعله. وقال ابن قتيبة: ويقرأ " لتعلم " بالتاء، يريد: لتعلم الجن أن الرسل قد بلغت عن إلههم بما رجوا من استراق السمع قوله (وأحاط بما لديهم) أي:
علم الله ما عند الرسل (وأحصى كل شئ عددا) فلم يفته شئ حتى الذر والخردل.