ولكن مؤمني الجن يوضحون في قولهم هذا أنهم يملكون الاختيار والحرية، وفيهم الصالح والطالح، وهذا يوفر لهم الأرضية للهداية، وأساسا فإن أحد العوامل المؤثرة في التبليغ هو إعطاء الشخصية للطرف المقابل، وتوجيهه إلى وجود عوامل الهداية والكمال في نفسه.
واحتمل أيضا أن الجن قالوا ذلك لتبرئة ساحتهم من موضوع الإساءة في مسألة استراق السمع أي: وإن كان منا من يحصل على الأخبار عن طريق استراق السمع ووضعها بأيدي الأشرار لتضليل الناس، ولكن لا يعني ذلك أن الجن كلهم كانوا كذلك، ولهذه الآية تأثير في إصلاح ما اشتبه علينا نحن البشر في عقائدنا حول الجن، لأن كثير من الناس يتصورون أن لفظة الجن تعني الشيطنة والفساد والضلال والانحراف، وسياق هذا الآية يشير إلى أن الجن فصائل مختلفة، صالحون وطالحون.
" قدد " على وزن (ولد) وهو جمع قد، على وزن (ضد) وتعني المقطوع، وتطلق على الجماعات المختلفة، لأنها تكون على شكل قطع منفصلة عن بعضها.
وفي إدامة حديثهم يحذرون الآخرين فيقولون: وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا وإذا كنتم تتصورون أنكم تستطيعون الفرار من جزاء وتلتجؤون إلى زاوية من زوايا الأرض أو نقطة من نقاط السماوات فإنكم في غاية الخطأ.
وعلى هذا الأساس، فإن الجملة الأولى إشارة إلى الفرار من قبضة القدرة الإلهية في الأرض، والجملة الثانية إشارة إلى الفرار المطلق، الأرض والسماء.
ويحتمل أن يكون تفسير الآية هو أنه الجملة الأولى إشارة إلى أنه لا يمكن الغلبة على الله، والجملة الثانية إشارة إلى أنه لا يمكن الفرار من قبضة العدالة، فإذا لم يكن هناك طريق للغلبة ولا للفرار، فلا علاج إلا التسليم لأمر الله تعالى وعدالته.