ثم يستدل نوح (عليه السلام) للعنه القوم فيقول: (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجر كفارا، وهذا يشير إلى أن دعاء الأنبياء ومن بينهم نوح (عليه السلام) لم يكن ناتجا عن الغضب والانتقام والحقد، بل إنه على أساس منطقي، وأن نوحا (عليه السلام) ليس ممن يتضجر ويضيق صدره لأوهن الأمور فيفتح فمه بالدعاء عليهم. بل إن دعا عليهم بعد تسعمائة وخمسين عاما من الصبر والتألم والدعوة والعمل المضني.
ولكن كيف عرف نوح (عليه السلام) أنهم لن يؤمنوا أبدا وأنهم كانوا يضللون من كان على البسيطة ويلدون أولادا فجرة وكفارا.
قال البعض: إن ذلك مما أعطاه الله تعالى من الغيب، واحتمل أنه أخذ ذلك عن طريق الوحي الإلهي حيث يقول الله تعالى: وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من آمن. (1) (2) ويمكن أن يكون نوح قد توصل إلى هذه الحقيقة بالطريق الطبيعي والحسابات المتعارفة، لأن القوم الذين بلغ فيهم نوح (عليه السلام) تسعمائة وخمسين عاما بأفصح الخطب والمواعظ لا أمل في هدايتهم، ثم إن الغالبية منهم كانوا من الكفار والأثرياء وهذا مما كان يساعدهم على إغواء وتضليل الناس، مثل أولئك لا يلدون إلا فاجرا كفارا ويمكن الجمع بين هذه الاحتمالات الثلاثة.
" الفاجر ": يراد به من يرتكب ذنبا قبيحا وشنيعا.
" كفار ": المبالغ في الكفر.