تشير هذه الآية إلى أن رؤساء هؤلاء القوم يمتازون بكثرة الأموال والأولاد، ولكنها لا تستخدم لخدمة الناس بل للفساد والعدوان، ولا يخضعون لله تعالى، وهذه الامتيازات الكثيرة سببت في طغيانهم وغيهم.
وإذا ما نظرنا إلى تاريخ الإنسان لوجدنا أن الكثير من رؤساء القبائل هم من هذا القبيل، من الذين يجمعون المال الحرام، ولهم ذرية فاسدة، ويفرضون في النهاية أفكارهم على المجتمعات المستضعفة، ويكبلونهم بقيود الظلم.
ثم يضيف في قوله تعالى: ومكروا مكرا كبارا.
" كبار " صيغة مبالغة من الكبر، وذكر بصيغة النكرة، ويشير إلى أنهم كانوا يضعون خططا شيطانية واسعة لتضليل الناس، ورفض دعوة نوح (عليه السلام)، ومن المحتمل أن يكون عبادة الأصنام واحدة من هذه الخطط والأساليب، وذلك طبقا للروايات التي تشير إلى عدم وجود عبادة الأصنام قبل عصر نوح (عليه السلام) وأن قوم نوح هم الذين أوجدوها، وذكر أن في المدة الزمنية بين آدم ونوح (عليهما السلام) كان هناك أناس صالحون أحبهم الناس، ولكن الشيطان " أو الأشخاص الشيطانيين " عمد إلى استغلال هذه العلاقة، وترغبهم في صنع تماثيل أولئك الصالحين بحجة تقديسهم وإجلالهم، وبعد مضي الزمن نسيت الأجيال هذه العلاقة التاريخية، وتصورت أن هذه التماثل هي موجودات محترمة ونافعة يجب عبادتها، وهكذا شغلوا بعبادة الأصنام، وعمد الظالمون والمستكبرون إلى إغفال الناس وتكبيلهم بحبائل الغفلة، وهكذا تحقق المكر الكبير.
وتدل الآية الأخرى على هذا الأمر، إذ أنها تضيف بعد الإشارة إلى خفاء هذا المكر في قوله تعالى: وقالوا لا تذرن آلهتكم.
ولا تقبلوا دعوة نوح إلى الله الواحد، وغير المحسوس، وأكدوا بالخصوص على خمسة أصنام، وقالوا: ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا.